قلت: عرفت هذا.. وأحسب أن الكل
يعرفه.. فلا أحد من الناس يجادل في حبه لنفسه.. بل إن الكثير يجمح به حبه لنفسه
إلى الأنانية المقيتة، والأثرة البغيضة.. ولكن كيف ينسجم الحب المقدس مع هذا.. بل
كيف يكون مقدسا، وهو يرعى مثل هذا؟
قال: الحب المقدس هو الحب الذي
يراعي الفطرة، وسلامة الفطرة.. فلا ينكسها ولا يعكسها.. وهو لذلك يرعى هذه الناحية
ويهذبها ويعطيها البديل الذي تكف به عن كل شطط أو جموح.
قلت: كيف يجتمع له كل هذا؟
قال: لأن من عرف نفسه وعرف ربه
علم ( أنه لا وجود له من ذاته، وإنما وجود ذاته ودوام وجوده وكمال وجوده من الله
وإلى الله وبالله، فهو المخترع الموجد له وهو المبقي له وهو المكمل لوجوده بخلق
صفات الكمال وخلق الأسباب الموصلة إليه وخلق الهداية إلى استعمال الأسباب، وإلا
فالعبد من حيث ذاته لا وجود له من ذاته، بل هو محو محض وعدم صرف لولا فضل الله
تعالى عليه بالإيجاد)[1]
ثم هو بعد هذا الوجود المستفاد
من الله هالك عقيب وجوده لولا فضل الله عليه بالإبقاء، ثم هو ناقص بعد الوجود لولا
فضل الله عليه بالتكميل، فليس في الوجود من يقوم بنفسه إلا الله الذي هو قائم
بذاته، وكل ما سواه قائم به.
فلهذا إذا أحب العاقل ذاته أحب
من يقوم بها، فإن كان لا يحبه فهو لجهله بنفسه وبربه، فالمحبة ثمرة المعرفة تنعدم
بانعدامها وتضعف بضعفها وتقوى بقوّتها.