اسم الکتاب : سلام للعالمين المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 166
إحصاءها، وقد وجدوا أنها مهما
تشعبت لا تعدو ثلاثة.
قلت: فما هي؟
قال: أولها حب الإنسان لنفسه،
فالمحبوب الأوّل عند كل حي: نفسه وذاته.. هذه سنة الله.. و ﴿ لَنْ تَجِدَ
لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً)(فاطر:
من الآية43)
قلت: ما تعني بحب الإنسان
لنفسه؟
قال: كل إنسان فطر على حبه
لدوام وجوده، وعلى النفور من عدمه وهلاكه، (فلذلك يحب الإنسان دوام الوجود ويكره
الموت والقتل، لا لمجرّد ما يخافه بعد الموت ولا لمجرّد الحذر من سكرات الموت، بل
لو اختطف من غير ألم وأميت من غير ثواب ولا عقاب لم يرض به وكان كارهاً لذلك، ولا
يحب الموت والعدم المحض إلا لمقاساة ألم في الحياة، ومهما كان مبتلى ببلاء فمحبوبه
زوال البلاء، فإن أحب العدم لم يحبه لأنه عدم بل لأنّ فيه زوال البلاء، فالهلاك
والعدم ممقوت ودوام الوجود محبوب)[1]
وكما أن الإنسان يحب أصل وجوده
ودوامه، فإنه كذلك يحب كمال وجوده، لأن الناقص فاقد للكمال، والنقص عدم بالإضافة
إلى القدر المفقود وهو هلاك بالنسبة إليه.
وهو لذلك يحب كل ما يكمل هذا
الوجود، فهو يحب سلامة أعضائه، ويحب ماله وولده وعشيرته وأصدقاءه، وكل ذلك لتوقف
كمال وجوده عليها.
فحبه لولده ـ مثلا ـ وإن كان لا
يناله منه أي حظ، بل قد يتحمل المشاق لأجله يرجع لاعتقاده بأنه سيخلفه في الوجود
بعد عدمه، ( فيكون في بقاء نسله نوع بقاء له، فلفرط حبه في بقاء نفسه يحب بقاء من
هو قائم مقامه وكأنه جزء منه لما عجز عن الطمع في بقاء نفسه أبداً)
ومثل ذلك حبه لأقاربه وعشيرته،
( فإنه يرى نفسه كثيراً بهم قوياً بسببهم متجملاً بكمالهم،