قال: لقد رحت أبحث فينا.. في جذورنا.. فلم أجد إلا الصراع..
في البدء.. كان هناك شعبان..
الرومان واليونان.. وكان هذان الشعبان هما الهواء الذي تنفسناه، والماء الذي
شربناه..
وقد شربنا مع مياه الرومان
واليونان جميع أنواع الصراع.. ولبسنا جميع أثواب الصراع.
لقد كان هذان الشعبان يوحيان
إلينا كل حين أن هناك عدوا يهدد وجودنا.. فنصيح من حيث لا نشعر بإعلان الحرب بكافة
صورها.. ثم نغرق البشرية بعدها في حمامات من الدماء.
ألا تعلم أن أهم أسباب الحروب
الصليبية ـ كما يذكر مؤرخونا ـ هو إعادة توجيه طاقة البارونات الأوروبيين من
النزاعات الدموية المحلية إلى غاية نبيلة تتمثل في استعادة الأرض المقدسة وقبر
المسيح من أيدي المسلمين؟
وإمعانا من الكنيسة في تحميس
الصليبين الذين وهنت دواعي النصر فيهم لكثرة ما سفكوا من دماء بعضهم البعض أصدر
البابا (أوربان) صكّه للغفران، والذي عرض فيه إسقاط ذنوب وخطايا الذين يقاتلون
المسلمين.. فدبَّت اليقظة في أوصال الجندي المرتبك أخلاقيا، واشتعل حماسا كأنما هو
يستيقظ من سبات عميق.
وهكذا كنا دائما..
حتى نظام الفروسة الذي يفخر به
قومنا لم يكن إلا مثلا من أمثلة هذا التكريس الديني للنزعات الحربية التي حاولت الكنيسة
حتى ذلك الحين قمعها لأغراض مثالية ورغبات نبيلة.. فالحروب الصليبية من هذه
الناحية كانت تعتبر المظهر الهجومي للفروسية، والفروسة تعتبر بذرة الحروب الصليبية
كما تعتبر ربيبته.. والفارس الذي يشترك في الحروب الصليبية، إنما يشبع بذلك النزعة
الحربية الكامنة فيه تحت إشراف الكنيسة وبأمرها، وينال بذلك الخلاص