اسم الکتاب : سلام للعالمين المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 125
أما الهوى فهو العذاب فإن جرت
فيه النوى فأليم كل عذاب
قلنا: فهل صرفك هذا عن رحلة القلب التي أردت القيام بها؟
قال: لا.. لقد جاء من ينسخ لي كل هذا.. لقد وجدت رجلا كان
صديقا لي، وكان اسمه (جميل)، وقد قال لي يرد على من يريد أن يصرفني عن رحلتي:
وقالَ أناسٌ إِن في الحبِّ ذلةً
تنقِّصُ من قَدْرِ الفتى وتخفضُ
فقلتُ صدقتمْ غير أن أخا الهوى
لذلِ الهوى مستعذبٌ ليس يبغضُ
لكن رجلا كان ممتلئا بالحكمة ناداني، وقال لي:( يا بني..
أنت تريد أن تقوم برحلة لن تورثك إلا الهم الدائم، والفكر اللازم، والوسواس
والأرق، وقلة المطعم، وكثرة السهر، ثم تتسلط على جوارحك فتنشأ الصفرة في البدن،
والرعدة في الأطراف، واللجلجة في اللسان، والنحول في الجسد، فالرأي عاطل، والقلب
غائب عن تدبير مصلحته، والدموع هواطل، والحسرات تتابع، والزفرت تتوالى، والأنفاس
لا تمتد، والأحشاء تضطرم، فإذا غشى على القلب إغشاء تاما، أخرجت إلى الجنون، وما
أقربه حينئذ من التلف)
قلنا: فهل انتصحت لنصيحته؟
قال: لو انتصحت لنصيحته لانتهت قصتي هنا.. ولما ذقت ما ذقت
من الذلة والهوان والجنون وكل أصناف الصراع..
قلنا: فحدثنا عن رحلتك.
قال: لقد كان أول من مررت به في رحلتي رجل يقال له عروة بن
حزام.. كان معي حينها رفيق يقال له ابن مكحول، وكان عراف اليمامة، فرأينا عروة..
وهو أحد زملائي الذين تلقوا ما تلقينا من تربية وتوجيه.. جلسنا عنده؛ وسألناه عما
به؛ وهل هو خبل أو جنون؟ فقال لابن مكحول: ألك علم بالأوجاع؟. قال: نعم؛ فأنشأ
يقول:
وما بي من خبل ولا بي جنة
ولكن عمي يا أخي كذوب
اسم الکتاب : سلام للعالمين المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 125