في حالة ذهاب وإياب واختلاط واضطراب في منطقة الالتقاء، كما تدل اللغة على
ذلك بلفظ مرج، وهذا ما كشفه العلم من وصف لحال البرزخ الذي يكون متعرجاً ومتنقلاً
في الفصول المختلفة بسبب المد والجزر والرياح. ومن يسمع هذه الآية فقط، يتصور أن
امتزاجاً واختلاطاً كبيراً يحدث بين هذه البحار يفقدها خصائصها المميزة لها، لكن
قوله بعدها﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ﴾أي مع حالة
الاختلاط والاضطراب هذه التي توجد في البحار، فإن حاجزاً يحجز بينهما يمنع كلاً
منهما أن يطغى ويتجاوز حده.
وهذا ما شاهده الإنسان بعدما تقدم في علومه وأجهزته، فقد وجد ماءً ثالثاً
حاجزاً بين البحرين يختلف في خصائصه عن خصائص كل منهما.
ومع وجود البرزخ، فإن ماء البحرين المتجاورين يختلطان ببطء شديد، ولكن دون
أن يبغي أحد البحرين على الآخر بخصائصه؛ لأن البرزخ منطقة تقلب فيها المياه
العابرة من بحر إلى آخر لتكتسب المياه المنتقلة بالتدريج صفات البحر الذي ستدخل
إليه، وتفقد صفات البحر الذي جاءت منه وبهذا لا يبغي بحر على بحر آخر بخصائصه، مع
أنهما يختلطان أثناء اللقاء.
قال ذلك.. ثم قال متعجبا: ولكن كيف عرف محمد كل هذا.. إن علوم البحار لم
تتقدم إلا في القرنين الأخيرين وخاصة في النصف الأخير من القرن العشرين. وقبل ذلك
كان البحر مجهولاً مخيفاً تكثر عنه الأساطير والخرافات، وكل ما يهتم به راكبوه هو
السلامة والاهتداء إلى الطريق الصحيح أثناء رحلاتهم الطويلة.
كيف عرف محمد ذلك مع أن العلماء لم يقرروا هذه القاعدة على كل البحار التي
تلتقي إلا بعد استقصاء ومسح علمي واسع لهذه الظاهرة التي تحدث بين كل بحرين في كل
بحار الأرض.. فهل كان محمد يملك تلك المحطات البحرية، وأجهزة تحليل كتل المياه، والقدرة
على تتبع حركة الكتل المائية المتنوعة.. ووهل قام بعملية مسح شاملة، وهو الذي لم
يركب البحر قط، وعاش في زمن كانت الأساطير هي الغالبة على تفكير الإنسان وخاصة في
ميدان