اسم الکتاب : الاتجاهات الفكرية لجمعية العلماء والطرق الصوفية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 105
توجهت فيها السلفية المحافظة على السلفية
التنويرية بالنقد اللاذع، والذي يصل إلى حد الرمي بالضلال والبدعة.
والمنطلق الأول الذي
ينطلق منه التنويريون في هذا هو التوجه التنويري نفسه، والذي يجعل للعقل سلطاناً
على كل شيء حتى على النص المقدس نفسه، وقد عبر (كانط) عن هذا السلطان في
مقاله المنشور عام 1784 م (جواب عن سؤال ما التنوير؟) جاء فيه أن شعار التنوير (كن
جريئاً في إعمال عقلك) وفي عبارة أخرى (التنوير يعني ألا سلطان على العقل إلا
العقل ذاته)[1]
وقد دعا هذا أكثر التنويريين غير المتدينين إلى البعد
عن الدين بقدر قربهم من هذا التنوير الذي لا يجعل السلطة المطلقة إلا للعقل.
بينما يضيف التنويريون المتدينون مصدرا آخر للمعرفة
هو أرقى من العقل المجرد، وهو النص المقدس الذي لم يتأثر برواسب القرون، وفي هذا
يضيف التنويريون المتدينون البعد السلفي لتنويرهم.
ويرى هؤلاء أن النص المقدس لا يمكن فهمه إلا من خلال
دراسة الواقع بكل تفاصيله، وما جد فيه من علوم ومعارف، فالنص في تصورهم مجمل، ولا
يحل إجماله بالطرق التقليدية من التحليل اللغوي، وإنما بفعل ما يقدمه الواقع من
تفصيل.
ويشير إلى هذا الشيخ
محمد عبده عند تفسيره لقوله
تعالى: { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: 213]، فيعلق
عليها بقوله: (أنا لا أعقل كيف يمكن لأحد أن يفسر الآية وهو لا يعرف أحوال البشر،
وكيف اتحدوا؟ وكيف تفرقوا؟ وما معنى تلك الوحدة التي كانوا عليها؟ وهل كانت نافعة
أم ضارة؟ وماذا كان من آثار بعثة النبيين
[1] مراد وهبه، ملاك الحقيقة
المطلقة، دار قباء، القاهرة، ص 108.
اسم الکتاب : الاتجاهات الفكرية لجمعية العلماء والطرق الصوفية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 105