ومنها ما رووه عن أبي الدرداء مرفوعاً إلى النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلم): (خلق
الله آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليَمِين فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه
اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحُمم، فقال للتي في يَمِينه: إلى الجنة ولا أبالي،
وقال للتي في يساره: إلى النار ولا أبالي)[2]
ومن أدلتهم العقلية على هذا أن وصف إحدى اليدين باليَمِين ؛ كما في
الأحاديث السابقة، يقتضي أنَّ الأخرى ليست يَمِيناً، فتكون شمالاً، وفي بعض
الأحاديث تذكر اليَمِين، ويذكر مقابلها: (بيده الأخرى))، وهذا
يعني أنَّ الأخرى ليست اليَمِين، فتكون الشِّمال.
يقول أبو سعيد الدارمي: (وأعجب من هذا
قول الثلجي الجاهل فيما ادعى تأويل حديث رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم): (المقسطون
يوم القيامة على منابر من نور عن يَمِين الرحمن وكلتا يديه يَمِين))، فادعى الثلجي أنَّ
النبي a تأول كلتا
يديه يَمِين ؛ أنه خرج من تأويل الغلوليين أنها يَمِين الأيدي، وخرج من معنى
اليدين إلى النعم ؛ يعني بالغلوليين: أهل السنة ؛ يعني أنه لا يكون لأحد يَمِينان،
فلا يوصف أحد بيَمِينين، ولكن يَمِين وشمال بزعمه.. ويلك أيها المعارض! إنما عنى
رسول الله a ما قد أطلق
على التي في مقابلة اليَمِين الشِّمال، ولكن تأويله: (وكلتا يديه يَمِين)؛ أي: مُنَزَّه على
النقص والضعف ؛ كما في أيدينا الشِّمال من النقص وعدم البطش، فقال: (كِلتا يدي الرحمن يَمِين) ؛ إجلالاً لله، وتعظيماً
أن يوصف بالشِّمال، وقد وصفت يداه بالشِّمال واليسار، وكذلك لو لم يجز إطلاق
الشِّمال واليسار ؛ لما أطلق رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)، ولو لم يجز أن يُقال: كلتا يدي الرحمن يَمِين ؛ لم يقله رسول
الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)، وهذا قد جوزه الناس في الخلق ؛
فكيف لا يجوز ابن الثلجي في يدي الله أنهما جميعاً يَمِينان، وقد سُمِّي من الناس
ذا الشِّمالين، فجاز نفي دعوى ابن الثلجي أيضاً، ويخرج ذو الشِّمالين