وحكي لنا آخر أن بعض النحويين دخل
مجلس الحسن بن سمعون ليسمع كلامه فوجده يلحن، فانصرف ذامّا له، فبلغ ذلك الحسن،
فكتب له: (إنك من كثرة الإعجاب رضيت بالوقوف دون الباب، فاعتمدت على ضبط أقوالك مع
لحن أفعالك، وإنك قد تهت بين خفض ورفع ونصب وجزم، فانقطعت عن المقصود، هلّا رفعت
إلى اللّه جميع الحاجات، وخفضت كل المنكرات، وجزمت عن الشهوات، ونصبت بين عينيك
الممات؟ واللّه يا أخي ما يقال للعبد لم لم تكن معربا، وإنما يقال له: لم كنت
مذنبا؟ ليس المراد فصاحة المقال، وإنما المراد فصاحة الفعال، ولو كان الفضل في
فصاحة اللسان، لكان سيدنا هارون أولى بالرسالة من سيدنا موسى، حيث يقول: وأَخِي
هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً [القصص: 34])[2]
حين سمعت هذا جلست لمشايخي من
العارفين.. وقد رأيت من أنوار الفهم عندهم ما فتح لقلبي أنوار الحقائق التي كنت
محجوبا عنها بظلمات نفسي، وظلمات الغرور الذي كانت تمتلئ به.
سكت قليلا، ثم قال: أنا لا أقول لكم
يا أبنائي.. لا تعربوا القرآن.. أو لا