اسم الکتاب : كيف تناظر ملحدا..؟ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 89
عليها عقل كل
إنسان، ويحكم بها، قبل الحكم بسائر القضايا، ويجعل لها قيمة، وأهمية تجعلانها فوق
كل مناقشة.. فتلك القضايا للتفكر، كالعضلات للمشي، على تشبيه الفيلسوف [له بينج]
ذلك أن كل إنسان
يستخدمها ـ حتى ديفيد هيوم نفسه ـ ربما البعض لا يعرفها في حالته الابتدائية، أي
يستخدمها من حيث لا يشعر، وهي آخِرُ تأمين على ما يعرف الإنسان، وما يريد أن يعرفه
من الحقائق؛ ولولاها، لما تقررت أي حقيقة في الأذهان.
لقد قال أرسطو
معبرا عن ذلك: (للمبادئ الأولى خصلتان؛ الأولى: عدم احتياجها إلى الإثبات
بالدليل.. والثانية: كونها معلومة بيقين، أعلى من جميع النتائج، التي يمكن أن
تُستنتج منها؛ لأن الاستنتاج مجرى اليقين، والمبادئ معادنه).. وقال: (لو احتاج كل معرفة
إلى البرهنة، لاستحال العلم).. أي، للزم التسلسل في البراهين.
فجميع العلوم
مدينة لمبدإ العلية؛ لأن العلم معرفة الشيء بسببه؛ وبعبارة أخرى بدليله؛ فلولا
مبدأ العلية في الإنسان، لما انبعثت نفسه إلى تحري الأسباب، والعلل، وارتفعت
العلوم[1].
وقد قال الغزالي
معبرا عن هذا المعنى: (من بدائة االعقول أن الحادث لا يستغني في حدوثه عن سبب
يحدثه، والعالم حادث فإذا لا يستغني في حدوثه عن سبب)[2].
ويوضح الفخر
الرازي هذه الحقيقة بقوله: (إن حدوث دار منقوشة بالنقوش العجيبة، مبنية على
التركيبات اللطيفة الموافقة للحكم والمصلحـة يستحيل إلا عند وجود نقاش عالم، وبان
حكيم، ومعلوم أن آثار الحكمة في العالم العلوي والسفلي أكثر من آثار الحكمة في
[1] انظر: موقف العلم والعقل من
رب العالمين، مصطفى صبري.