اسم الکتاب : كيف تناظر ملحدا..؟ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 88
التفسير ـ:
(أنقتصر على خبراتنا الحسية وما تأتي به ؟، فإذا لم يكن بين هذه الخبرات خبرة
مباشرة بما يسمى (قوة) فلا داعي لافتراضها عند تفسير الطبيعة وظواهرها، إنها أحداث
تتلاحق وتترابط مجموعات بمجموعات، فإذا اطرد حدوث مجموعة منها كان ذلك واحدا من
قوانين الطبيعة، فالأمر كله حوادث وارتباطها بالتجاور، ولا شيء غير ذلك في علمنا ؛
إلا ما نتبرع به ظنا ووهما.. فإذا اعترض علينا معترض بأن (القوة) الرابطة بين
السبب ونتيجته هي مما يرد في خبراتنا ؛ أجبناه بأنه يخلط بين ما (يخبره) وبين ما
(يستدله).. إنه قد يرى الريح تقتلع الشجرة، فيظن أنه قد رأى بعينه (القوة) التي
فعلت بها الريح ما فعلت، لكنه أحس الريح، وأحس الشجرة تقتلع، ثم (استدل) من عنده
(قوة) ؛ لأنه يميل بفطرته أن يسأل (لماذا)، على حين أن النظرة العلمية تسأل (كيف)،
ولا تزيد على ذلك ؛ إننا لا نلاحظ إلا أحدثا في تتابعها المطرد، من اطراد التتابع
تتألف القوانين الطبيعية، أما (لماذا) كانت هذه القوانين على نحو ما كانت ؛ فشيء
لا يأتي بين ما يأتينا عن طريق الخبرة الحسية.. ولو حاولنا تعليل القوانين بقولنا
(لماذا) لاحتاج التعليل إلى تعليل، وهذا إلى ثالث، وهلم جرا، ونكون عندئذ كالهندي
الذي سأل (لماذا) لا تسقط الأرض في الفضاء ؟.. وأجاب نفسه بقوله: لأنها تستند إلى
فيل، ثم سأل مرة أخرى: ولماذا لا يسقط الفيل في الفضاء ؟.. وأجاب نفسه بقوله: لأنه
بدوره يستند إلى سلحفاة، لكنه سأل نفسه: ولماذا لا تسقط السلحفاة في الفضاء ؟..
فأخذته الربكة، وقال: إنه ملَّ البحث الميتافيزيقي، ولا يريد المضي فيه)[1]
وهذا المنهج في
التفكير الذي يعتمده الملاحدة، دليل على مدى غلبة التفكير الرغبوي عليهم، ذلك أن
مبدأ العلية من مبادئ الذهن الأولى، بل هي من القضايا التي يتوقف