اسم الکتاب : كيف تناظر ملحدا..؟ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 288
وكان غارودي يبحث
عن إيديولوجيا توفر السلام والأمن للبشرية، وتمنح الانسجام بين الأخلاق والسياسة، وبين
الروح والمادة، وبين الفرد والمجتمع، وبين الثقافات الغربية وغير الغربية؛ أي
أيديولوجيا عالمية تضم كل البشر.
كان يبحث عن دين
يسمو فوق القومية والوطن واللغة والمستوى الاقتصادي للحياة، ويمنح الحياة
الإنسانية معناها الحقيقي، وقد وجد غارودي في الإسلام النموذج لنوع من الحوار
التوفيقي الذي كان مشغولا به طوال ثلاثين عاما.
ولذلك فإنه وفي
سنة 1966 أصدر كتابه [ماركسية القرن العشرين]، مؤسسا بذلك موقفا نقديا من مسلمات
الماركسية الثابتة، متهما الماركسية بالتحول إلى دين رسمي ذي طقوس وأتباع، ومبرزا
أن هذه المقولة مخالفة لقول انجلز: (نظريتنا ليست ناموسا إلهيا، ناموسا يجب حفظه
عن ظهر قلب وترديده بصورة آلية، بل هي دليل عمل)، كما انتقد فيه الفهم الخاطئ
لمقولة: (الدين أفيون الشعوب)، فالادعاء بأن الدين في كل زمان ومكان يصرف الإنسان
عن العمل والكفاح متناقض تناقضا صارخا مع الواقع التاريخي[1].
وقد طرح غارودي
في سياق مراجعاته للماركسية الجامدة، مقولة [لا دين أفيون للشعوب، ولا إلحاد وضعي]
ولذلك
رأى في تلك الفترة ـ وفي سياق نقده للماركسية ـ أن البديل الحقيقي هو إيمان مناضل
وخلاق، لا يقصر الواقع على ما هو كائن فحسب، بل يضمنه أيضا جميع ممكنات مستقبل
يبدو على الدوام مستحيلا في نظر من لا يملك قوة التأمل. فالإيمان يعني الأمل، مع
ما يحمله من استكشاف الإمكانيات الكامنة وراء الواقع المباشر.
ويبرز ذلك
غارودي بعمق وتفصيل أكثر في كتابه: [نحو حرب دينية] في سياقه