اسم الکتاب : الهاربون من جحيم الإلحاد المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 308
قال: أليس
صحيحاً أن أكثر تجاربنا شيوعاً تقبل دون أي تقدير لما تنطوي عليه من غموض هائل؟..
ألسنا لا نزال كالأطفال في نظرتنا إلى مانقبله من تجاربنا المتعلقة بالحياة
الواعية، فلا نتريث إلا نادراً للتفكير في أعجوبة التجربة الواعية أو لتقديرها؟
لم أدر ما أقول
له، فراح يقول: البصر، مثلا، يعطينا في كل لحظة صورة ثلاثية الأبعاد لعالم خارجي..
ولا يكتفي بذلك، بل يركب في هذه الصورة من سمات الالتماع والتلون ما لاوجود له إلا
في الإبصار الناشيء عن نشاط الدماغ.. ونحن بالطبع ندرك الآن النظائر المادية لهذه
التجارب المتولدة من الإدراك الحسي كحدة المصدر المشع والطول الموجي للإشعاع
المنبعث، ومع ذلك فعمليات الإدراك ذاتها تنشأ بطريقة مجهولة تماما عن المعلومات
المنقولة بالرموز من شبكية العين إلى الدماغ.
قلت له، وقد
أعجبتني أطروحاته من الوجهة العلمية، وإن لم ترضني من الوجهة الفلسفية: كيف ذلك؟
قال: إن كل
عملية إدراك حسي تتكون من ثلاث مراحل: المنبه الأصلي لعضو الحس.. والنبضات العصبية
المرسلة إلى الدماغ.. ونمط النشاط العصبي المثار في الدماغ.
قلت: هلا وضحت
لي هذا أكثر.
قال: سأبسط لك
ذلك.. إن عالم الإحساس ـ حسبما وصلت إليه أبحاثي وأبحاث كثيرة جديدة ـ أنه يحتاج ـ
كما ذكر أساتذتنا ـ إلى الفيزياء والكيمياء.. ولكنه ليس مقصوراً عليهما..
قلت: هلا ضربت
لي مثالا يوضح هذا.
قال: من المؤكد
أن وجود كتاب ما يتوقف على عناصر الورق والصمغ والحبر التي يتكون منها، ومن دونها
لايمكن أن يوجد الكتاب.. ومع ذلك، فالكتاب لايٌفهم فهماً كافياً بمجرد إجراء تحليل
كيميائي للحبر ولألياف الورق.. وحتى لو عرفنا طبيعة كل جزء من
اسم الکتاب : الهاربون من جحيم الإلحاد المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 308