اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 85
يتألف منها الكون، وأسألك بدوري: وما
علة وجود الله؟ إن أقصى ما تستطيع الإجابة به: لا أعرف إلا أن وجود الله غير معلول،
ومن جهة أخرى عندما تسألني: وما علة وجود المادة الأولى فإن أقصى ما أستطيع
الإجابة به: لا أعرف إلا أنها غير معلولة الوجود، في نهاية الأمر اعترف كل منها
بجهله حيال المصدر الأول للأشياء. ولكنك اعترفت بذلك بعدي بخطوة واحدة، وأدخلت
عناصر غيبية لا لزوم لها لحل المشكلة. والخلاصة، إذا قلنا: عن المادة الأولى قديمة
وغير محدثة أو إن الله قديم وغير محدث، نكون قد اعترفنا بأننا لا نعرف ولن نعرف
كيف يكون الجواب على مشكلة المصدر الأول للأشياء، فالأفضل إذن أن نعترف بجهلنا
صراحة ومباشرة عوضاً عن الاعتراف به بطرق ملتوية وبكلمات وعبارات رنانة. ليس من
العيب أن نعترف بجهلنا، لأن الاعتراف الصريح بأننا لا نعرف ما لا نعرفه من أهم
مقومات التفكير العلمي، وتعرفون أن العالم ملزم على تعليق الحكم عندما لا تتوافر
لديه الأدلة والشواهد والبراهين الكافية لإثبات أو لنفي قضية ما. هذا هو الحد
الأدنى من متطلبات الأمانة الفكرية في البحث الجاد عن المعرفة والحقيقة)[1]
لا تحسبوا أن هذه الأطروحة من إبداعي،
فأنا لم أكن سوى بوق ينعق بما يسمعه من أساتذته في الإلحاد.. لقد ردد هذا القول
قبلي [هيوم] حين قال: (إذا كان لابد لنا من البحث عن علّة لكل شيء، لوجب إذن أن
نبحث عن علّة للإله نفسه)
ورددها (هربرت سبنسر)، فقال: (استمع إلى
هذا الناسك المتدين، هاهو ذا يقصّ عليك علّة الكون، وكيف نشأ، فخالق الكون عنده هو
الله، ولكنه لم يفسّر بهذا الرأي من المشكلة شيئاً، ولم يزد على صاحبه (أي: المنكر
للخالق) سوى أن أرجعها خطوة إلى الوراء)