اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 86
وكنت ـ تبعا لهم ـ أرددها كل حين، حين
كنت أقول للرفقاء الذين لا يزال فيهم بعض البصيص من الإيمان: (ألستم تقولون: إن كل موجود لا بد له
من موجد،
وإن هذا الكون موجود فلا بد له من موجد، وأن ذلك الموجد هو الله؟)، فيقولون: بلى. عندئذ أقول لهم: (إذن بما أن الله موجود،
فلا بد له من موجد)، فلا يجد المساكين بما يجيبونني.
كان في إمكاني أن أعلمهم الجواب الصحيح
على السؤال، لكني لم أفعل، لأني لم أكن لأستطيع أن أمرر عليهم أفكاري، وهم يعتقدون
بوجود إله.. فأفكاري التي كنت أزعم أنها أفكار تنويرية كانت تستدعي قطيعة تامة
بينهم وبين الله.
أنا لا أعذرهم بذلك، فقد كان في إمكانهم
أن يردوا علي قائلين: إن مقدمتك القائلة (كل موجود لا بد له من موجد) مقدمة كاذبة
غير صحيحة،
فالخبير لا يسلم بها لفسادها، وإنما يقول بدلها: (كل موجود حادث لم يكن
ثم كان لا بد له من محدث)، ثم يقول: (وهذا الكون موجود حادث لم يكن ثم كان بشهادة العقل وبشهادة البحوث
العلمية)، عندئذٍ تتحصل النتيجة على الوجه التالي: (إذن فلا
بد لهذا الكون من محدث)، وهذا المحدث للكون لا
بد أن يكون موجوداً أزلياً غير حادث، ولا بد أن يكون منزهاً
عن كل الصفات التي يلزم منها حدوثه، حتى لا يحتاج إلى موجد
يوجده.
لقد كانت مغالطتي ومغالطة جميع الملاحدة قائمة
على التعميم، إذ وضعنا (كل موجود) بدل (كل موجود حادث)، ومعلوم أن عبارة (موجود)
تشمل الموجود الأزلي والموجود الحادث.
فالخالق موجود أزلي ليس له من الصفات ما
يلزم منها حدوثه، ووجوده هو الأصل، فلا يسأل عن علة وجوده عند العقلاء أصلاً، والسؤال
عن علة وجوده أمر مخالف للحقيقة العلمية المنطقية.
أما الكون، فإنه يحمل دائماً وباستمرار
صفات حدوثه، تشهد بهذه الحقيقة النظرات
اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 86