اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 244
الأفلاك.
ألا
تعلم ـ حضرة الرفيق ـ أن أساتذتك الذين تتيه بهم وبعلومهم لم يكونوا مطالبين
بثقافة علمية أكبر من ثقافة عصرهم الذى وجدوا فيه، ولكنهم ـ مع ذلك ـ مسؤولون ولا
شك مسؤولية كاملة عن دعواهم بأن المادة هى التى تخلق، وأن من بين خلقها الإنسان؟
وقالت
لي، وهي تشد على تلابيب ثيابي، وتوبخني على جرأتي على الله: متى شوهدت المادة وهى
تخلق؟ وكيف تخلق؟!
سكت
قليلا، ثم قال: لم تكن فطرتي تذكر لي ذلك فقط، بل كانت تؤنبني كل حين، فكنت ألكمها
وأصفعها وأسيل الدم من كل جزء منها حتى أرديتها في الأخيرة ميتة .. ولم أعد بعدها
أسمع عتابها ولا توبيخها.
ارتمى
على ظهره فوق الدماء التي تمتلئ بها الأرضية، ثم راح يقول: أتذكر آخر مرة حدثتني
فيها، لقد قالت لي، وهي تعتصر ألما وحزنا على حالي[1]: إنك تستعمل الحق لتنصر به الباطل، فما ذكرته من من
أن الطبيعة كلٌّ واحد متماسك ترتبط فيه الأشياء والحوادث فيما بينها ارتباطاً
تاماً صحيح لاشك فيه، ولكنه لا يدل على ما ذهبت إليه.. بل يدل على أن هذه الظاهرة
تدل على أن الخالق البارئ المصور واحد مهيمن على كونه.. وهو يدبّره كونه بنظام
واحد مترابط الأسباب متشابك العناصر.
أما
ما ذكرته من أن الطبيعة (أي الموجود المادي الذي هو كل الوجود) سرمدية أزلية أبدية
لا بداية لها ولا نهاية، فهو ادّعاء منقوض ببراهين العقل ودلائل العلم، التي تثبت
حدوث الكون، وتثبت مصيره إلى الفناء.. وما عليك إلا أن تسير في هذه البلدة قليلا
لترى من العلماء من يبيبن لك ـ حسا ـ أن المادة ليست أزلية كما تزعم.
[1] هذه المناقشات ملخصة بتصرف
واختصار من كتاب (كواشف زيوف) لحبنكة.. وقد اقتصرنا منها على الجانب المتعلق
بالمادية الجدلية، دون سائر المبادئ الشيوعية المرتبطة بالتاريخ والاقتصاد لعدم
تناسبها مع الموضوع.
اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 244