اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 155
في علمنا؛ إلا ما نتبرع به ظنا ووهما، فإذا اعترض علينا
معترض بأن (القوة) الرابطة بين السبب ونتيجته هي مما يرد في خبراتنا؛ أجبناه بأنه
يخلط بين ما (يخبره) وبين ما (يستدله)
ثم راح يفسر ذلك بقوله: (إنه قد يرى الريح تقتلع الشجرة، فيظن
أنه قد رأى بعينه (القوة) التي فعلت بها الريح ما فعلت، لكنه أحس الريح، وأحس
الشجرة تقتلع، ثم (استدل) من عنده (قوة)؛ لأنه يميل بفطرته أن يسأل (لماذا)، على
حين أن النظرة العلمية تسأل (كيف)، ولا تزيد على ذلك؛ إننا لا نلاحظ إلا أحدثا في
تتابعها المطرد، من اطراد التتابع تتألف القوانين الطبيعية، أما (لماذا) كانت هذه
القوانين على نحو ما كانت؛ فشيء لا يأتي بين ما يأتينا عن طريق الخبرة الحسية)
ثم راح يؤسس على هذا المثال المبدأ الذي أقمت عليه فلسفتي
الإلحادية، فقال: (ولو حاولنا تعليل القوانين بقولنا (لماذا) لاحتاج التعليل إلى
تعليل، وهذا إلى ثالث، وهلم جرا، ونكون عندئذ كالهندي الذي سأل (لماذا) لا تسقط
الأرض في الفضاء؟، وأجاب نفسه بقوله: لأنها تستند إلى فيل، ثم سأل مرة أخرى: ولماذا
لا يسقط الفيل في الفضاء؟، وأجبا نفسه بقولك: لأنه بدوره يستند إلى سلحفاة، لكنه
سأل نفسه: ولماذا لا تسقط السلحفاة في الفضاء؟، فأخذته الربكة، وقال: إنه ملَّ
البحث الميتافيزيقي، ولا يردي المضي فيه)[1]
سكت قليلا، ثم قال: ولهذا، فقد رحت أقطع
طريق البحث من الأول.. لأن العقل الذي يبدأ في التساؤل عن السبب الأول، لابد أن
يتساءل عن السبب الثاني.. وهكذا، فإنه سيصل لا محالة إلى السبب الأخير.. وإلا وقع
في التسلسل أو الدور.
ولهذا، فقد راح [دفيد هيوم] فيلسوف الشك
والعدمية بكل عبقريته الغبية ينفي صحة ذلك الدليل العظيم الذي يستند إليه المؤمنون
[دليل الغائية والتصميم] معتبرا ذلك من باب
[1] الفلسفة بنظرة علمية، لبرتراند راسل، تلخيص
وتقديم د زكي نجيب محمود، 95 ـ 102، باختصار.
اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 155