اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 150
الأطوار السابقة للطور الذي اعتبرته
الطور العلمي الوحيد.. ورحت تدعو إلى العزوف عن البحث عن أصل الكون ومصيره أو علله
الأولى، وتعتبر البحث في ذلك أو الاهتمام به أوهاما وخرافة.
وأنت وجميع أصحاب الفلسفة الوضعية مجرد
بلهاء مغرورين، فالبشرية في أطوارها جميعا، كانت تعتمد التجربة وتهتم بها، من غير
أن تجعلها وسيلتها الوحيدة للمعرفة.
فالإنسان القديم الذي استعمل حجر الصوان
لقدح الشرارة وتوليد النار منها لم يكن ليصل إلى ذلك من غير أن يكون قد أجرى تجارب
كثيرة على أنواع مختلفة من الأحجار إلى أن وصل إلى توفر هذه الخاصية في حجر الصوان
دون غيره من الأحجار .
وهكذا فعل الفيلسوف [سكستس ايرامبيريكوس]
رائد مدرسة الأطباء التجريبيين في القرن الثاني قبل الميلاد، والذي كان من أبرز
روادها أبقراط صاحب تجربة كسر بيض الدجاج في مراحل مختلفة لمعرفة مراحل تطور
الجنين.
بل هكذا كان يتصرف الكثير من الحرفيين
والصناعيين للوصول إلى النتيجة التي يرغبون فيها..
بل إن الكثير من العلماء المنتمين
للأديان المختلفة كانوا يجمعون بين المنهج التجريبي وبين المناهج العقلية
والإشراقية التي أوصلتهم إلى الله من غير أن تحجبهم عن عالمهم وعن عالم المادة
والحس..
فجابر بن حيان، ذلك العالم المسلم
الكبير كان من رواد العلوم التطبيقية، وكان علما كبيرا في الكيمياء،
واستعمل المنهج التجريبي فيها، كما
استعمل عقله في التعرف على حقائق الوجود ليؤمن بها، ويؤمن عن طريقها برسوله ودينه
وقيمه.
ومثله روجر بيكون، الذي كان مثالاً
لامتزاج الدين والعلم والعمل.. فقد عالج مسائل عصره اللاهوتية والفلسفية، وأضاف
إليها نظرية العلم التجريبي الذي تنبأ بمستقبله ..و بسط
اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 150