responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 149

ما يشعر به اتجاه الأشياء من سعادة أو شقاء.. وبذلك أصبحت الحواس الظاهرة هي المتحكمة في كل شيء ابتداء من الإحساس باللذة والألم.

بل إنك اعتبرت الحواس الباطنة مجرد تابع ذليل للحواس الباطنية.. فألغيت بذلك وجودها وحقيقتها.

ولم تكتف بذلك، بل رحت تلغي كل القيم النبيلة، باعتبارك الفرق بين الخير والشر لا يعدو أن يكون نتيجة للذه والألم.. فكل ما سبب للإنسان لذة أو سعادة فهو خير، وكل ما سبب له ألماً أو تعاسة فهو شر.. وبذلك أصبحت الفضيلة والرذيلة خاضعة للمقاييس الذاتية الممعنة في التزوير، مثلها مثل كل شيء عندك.

ولم تكتف بذلك، بل رحت تلغي إرادة الإنسان الحرة المختارة نفسها.. لأن الإنسان لم يكن عندك سوى آله تحركها مشاعر الألم واللذة، وتتحكم فيها الأوهام والخيالات التي ينشئها عن العالم الخارجي، والذي لا يتعامل معه إلا من خلال ردود الأفعال .

أتدري ما فعلت بفلسفتك الرعناء هذه .. لقد قضيت على كل حقائق الوجود، كما قضيت على كل القيم النبيلة.. وكيف لا تقضي عليها، وقد جعلت الأخلاق قائمة على أصول حسية مادية بحتة.. وكيف لا تقضي عليها، وقد جردت الإنسان من مسئوليته على أفعاله، وجعلت حركاته كلها مجرد ردود أفعال لما يحس به من لذة، أو ما يحس به من ألم..

لقد كنت بكبريائك تتصور أن هذه الأنابيب وحدها من يكشف حقائق الأشياء.. ورحت مثل أولئك البلهاء من أصحاب الفلسفة الوضعية، تدعي أن أكثر الفلسفات التي ظهرت قبل هذه الفلسفة، خاطئة في جوهرها، بل وعديمة الأهمية، لأنها لم تعتمد على المعرفة التي تصل للإنسان عبر الحواس والمعرفة التجريبية.

ورحت مثل ذلك الغبي أوجست كونت، تقسم التاريخ العلمي للبشرية لثلاثة أطوار: الطور اللاهوتي.. والطور الميتافزيقي.. والطور العلمي الوضعي.. ثم رحت تسخر من كل

اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 149
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست