اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 148
الذين لم تحجبهم مخابرهم وعلومهم عن
ربهم وعن حقيقتهم، ولكنك أبيت ذلك، فرحت تتدخل في كل شيء.. رحت بآلاتك البسيطة
تريد أن تكشف سر الكون جميعا، وتحكم عليه بأحكامك القاسية، من دون أن تكون لديك
الأدوات العلمية الكافية.
وها أنت اليوم تتجرع الغصص التي جرعتها
للحقائق .. وللأجيال التي انحرفت بها عن جادتها، فصارت تسبح بحمدك، وتقدس لك،
ونسيت خالقها ومبدعها وبارئها.
أخذ يضمد بعض الجراح التي أحدثها الحريق
في جسمه، ثم راح يقول: هل نسيت كتابك (محاورات في الدين الطبيعي)، وكتابك (التاريخ
الطبيعي للدين)، واللذين ملأتهما بكل أنواع السفسطة والمغالطات والحروب على الله
والأديان..
ها أنت اليوم، وبعد فوات الأوان تكتشف أن
كل ما سطرته عن حقائق الوجود الكبرى زيف وخرافة وأسطورة.. وأن العلم الحقيقي هو
العلم الذي حجبت عنه، واكتفيت بالظاهر عن الباطن، وبالملك عن الملكوت.
لقد حجبك حسك الممتلئ بالزهو والغرور عن
كل شيء.. فرحت تعتبره المجال الوحيد للمعرفة، والمنبع الفريد للإدراك.. ورحت تحصر المعارف
في المادة الجامدة، وما ارتبط بها.. ورحت تعتبر كل ما يتحدث عنه العلماء المحققون المتدينون
من مصادر للمعرفة غير الحس والمادة أوهاما لا حقيقة لها، وخرافة لا وجود لها إلا في
مخيلة أصحابها.
ولم تكتف بذلك، بل رحت تعتبر كل معتقدات الإنسان
وآراءه عن العالم الخارجي مجرد خيال وأوهام لا وجود لها.. وأنها مجرد مدركات ذهنية
مختزنه، وأن الإنسان لا يفعل سوى أن يسقط كل ذلك على العالم الخارجي، ويفسره به،
فتكون الحصيلة أن يعلن عن ذاته، وعن مكونات نفسه، ولا يعلن عن الحقائق الخارجية
التي يزخر بها العالم الواقعي.
ولم تكتف بذلك، بل رحت تمعن في الحس
والكثافة، فتعتبر كل أفعال الإنسان وكل سلوكاته مجرد ردود أفعال لما يعتمل في نفسه
من إحساس باللذة أو الألم، واستجابة لكل
اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 148