قرأ ذلك.. ثم انصرف عني.. وكم تمنيت لو بقي.. وقد كان
لتلك الآيات مفعولها الكبير على نفسي.. لكني بعد أن قدرت العواقب أحضرت قلمي
ودفاتري، ورحت أسجل صفعة جديدة.. كنت أريد إلقاءها، أو ضرب خصومي بها في ندوة عامة في جامعة يهودية أمريكية.. يمكن تلخصيها في هذه العبارة
الوجودية التي استفدتها من سارتر وغيره: (دعوني أموت وزجاجة الخمر في يدي)
لقد قلت فيها: (يبدو أمرا طبيعيا للغاية
في هذا المجتمع، أن تقترب من رجل يحتضر على فراش الموت
وأنت لا تعرفه، وهو ممن يكفرون بالخالق، فتقول له: هل ستغير رأيك الآن؟.. إنهم يعتبرونه سؤالا مهذبا للغاية!)
وهنا يضحك الحضور،
وأنتفخ أنا، وتنكمش فطرتي، ثم أعقب على ذلك بقولي: (وكما تعلمون فإن ثمة تاريخا
طويلا للتزوير في هذا الأمر، فمن الناس من زعم أن
داروين رجع إلى النصرانية على فراش موته.. وكذلك اختلقوا
الأكاذيب حول توماس بين.. والأمر يقع كثيرا. إنها قطعة مقززة من تاريخ البشرية. إنها كذلك
صورة رديئة من صور الابتزاز، كأن يقال: (أنظر، لديك فرصة واحدة الآن، ألن تغتنمها؟ أنا أكتب إليك هذا
الكلام كصديق!).. لقد حاولوا معي ذلك في يوم من الأيام
عندما كنت مريضا للغاية في إحدى المستشفيات، ولكن لم
أكن متمكنا من الرد عليهم كما كان يحلو لي يومئذ.. ولا مانع
عندي من سماع هذا الكلام على أي حال، فإنه بوسعي أن أتحمله.. ولكن في ظني أن كثيرا من الناس ممن هم أكبر مني سنا وأشد مني مرضا، وربما أقل تعلما منا، هذه التجربة تكون
شديدة عليهم للغاية، فهي مسألة محبطة
ومقلقة ولا شك أن يخاطبوا بمثل هذا الكلام. يعني لو
أني كونتُ أنا وسام.. أعني صديقي العزيز [سام هاريس].. فريقا يذهب إلى المستشفيات الدينية ـ وهو
اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 142