اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 138
لا أكتمكم القول أن حديثهم صفعني صفعات كثيرة، كان
يمكنني أن أفطن بعدها وأستفيق، وأتخلص من كبري وغروري .. لكني لم أفعل.
سأذكر لكم بعض ما قالوا، فهي من الأحاديث التي لم
أنسها في حياتي، لأنها ظلت تعذبني، وتكدر علي، وليتني سمعتها بقلبي، ولم أسمعها
بغروري..
لقد قال أحدهم، وهو يخاطب رفاقه بلطف وأدب[1]: أمن الممكن لـمَن
له شأن الربوبية وسلطنة الألوهية، فأوجد كوناً بديعاً كهذا الكون؛ لغايات سامية
ولمقاصد جليلة، إظهاراً لكماله، ثم لا يكون لديه ثواب للمؤمنين الذين قابلوا تلك
الغايات والمقاصد بالايمان والعبودية، ولا يعاقِب أهل الضلالة الذين قابلوا تلك
المقاصد بالرفض والاستخفاف؟
قال آخر: أمن الممكن لربّ هذا العالم
ومالكه الذي أظهر بآثاره كرماً بلا نهاية، ورحمة بلا نهاية، وعزة بلا نهاية، وغيرة
بلا نهاية، أن لا يقدّر مثوبة تليق بكرمه ورحمته للمحسنين، ولا يقرر عقوبة تناسب
عزته وغيرته للمسيئين؟
قال آخر: أمن الممكن لخالق ذي جلال أظهر
سلطان ربوبيته بتدبير قانون الوجود ابتداء من الذرات وانتهاء بالمجرات، بغاية
الحكمة والنظام وبمنتهى العدالة والميزان.. أن لا يعامل بالاحسان من احتموا بتلك
الربوبية وانقادوا لتلك الحكمة والعدالة، وأن لا يجازي أولئك الذين عصوا بكفرهم
وطغيانهم تلك الحكمة والعدالة؟.
قال آخر: أمن الممكن لجود وسخاء مطلقين، وثروة لا
تنضب، وخزائن لا تنفد، وجمال سرمدي لا مثيل له، وكمال ابدي لا نقص فيه، أن لا يطلب
دار سعادةٍ ومحل ضيافةٍ، يخلد فيه المحتاجون للجود، الشاكرون له، والمشتاقون الى
الجمال، المعجبون به؟