اسم الکتاب : أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية المؤلف : سليمان الأشقر، محمد الجزء : 1 صفحة : 225
وهذا النوع من الأفعال يقع من النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الإباحة. والمشهور عند الأصوليين أنه لا أسوة فيه، بل من شاء أن يفعل مثله فعل، ومن شاء أن يترك تركه، دون أن يكون للفعل ميزة على الترك من ثواب أو غيره، ودون أن يكون في الترك ذم شرعي. وبعضهم ادّعى الإجماع على ذلك.
إلاّ أن ابن حزم اشترط في جواز الترك أن لا يكون رغبةً عما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن كان كذلك كان التارك آثماً. واحتج بالحديث: "لكني أنا أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني". فذكر أكل اللحم، وهو فعل جبلي صرف.
ورأينا أن الحديث المشار إليه وارد فيمن ترك المباح تديناً وتقرباً إلى الله به، فهذا خلاف الشرع، إذ لا يُعْبَد الله بعبادة لم تشرع، ولأن ذلك ترك للمباح مع اعتقاد تحريمه أو كراهته، وذلك تغيير لشرع الله.
ولا يصح أن يفهم من الحديث أن من أكل بالملعقة وترك الأكل بالأصابع فقد رغب عن السنّة واستحق الوعيد، ولا أنّ من توضأ من المغسلة أو الإبريق وترك الوضوء من إناء صفر يغترف منه باليد فقد رغب عن السنة، ولو اعتقد الآكل بالملعقة والمتوضئ من المغسلة أن ذلك أنظف وأحسن فليس ذلك أيضاً رغبة عن السنة، لأنه تركٌ للمباح مع اعتقاد إباحته، وليس في ذلك حرج.
وأما دعوى الإجماع فالصحيح أن المسألة ليست مجمعاً عليها.
فقد نقل الباقلاني في التقريب عن قوم لم يسمِّهم، أن التأسّي به - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله المباحة مندوب. وكذا حكاه الغزالي عن بعض المحدّثين. وبه صرّح السبكي في قواعده [1]، وإليه يميل أبو شامة [2]، ونقل المازريّ عن قوم لم يسمِّهم القول بوجوب التأسي في جميع الأفعال على الإطلاق، وذلك يقتضي دخول هذا النوع. [1] ق 115 أ. [2] أبو شامة: المحقق ق 3 ب، 4 أ.
اسم الکتاب : أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية المؤلف : سليمان الأشقر، محمد الجزء : 1 صفحة : 225