responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري المؤلف : عبد المجيد محمود    الجزء : 1  صفحة : 167
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الرِّجَالَ عَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ، وهو نهي يتناول القليل والكثير. ولكن ابن عباس يرى أن المنهي عنه أن يكون الثوب كله حريرًا، ويقول: «إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ قَزٍّ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَمَّا السَّدَى وَالعَلَمُ فَلا نَرَى بِهِ بَأْسًا» [1]. ولا يقف ابن عباس عند هذا الحد، بل يحاول أن يتلمس العلة في النهي عن لبس الحرير، ليربط بين العلة والحكم، فَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ المِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ يَعُودُهُ فِي مَرَضٍ مَرِضَهُ، فَرَأَى عَلَيْهِ ثَوْبَ إِسْتَبْرَقٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَانُونٌ عَلَيْهِ تَمَاثِيلُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، مَا هَذَا الثَّوْبُ الذِي عَلَيْكَ؟ قَالَ: [وَمَا هُوَ؟] قَالَ: إِسْتَبْرَقٌ، قَالَ: «وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ بِهِ، وَمَا أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ إِلاَّ لِلتَّجَبُّرِ، وَالتَّكَبُّرِ، وَلَسْنَا بِحَمْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ» قَالَ: فَمَا هَذَا الكَانُونُ الذِي عَلَيْهِ الصُّوَرُ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَلَا تَرَى كَيْفَ أَحْرَقْنَاهَا بِالنَّارِ؟» [2].
فهو يعلل النهي عن لبس الحرير لما يبعثه على التجبر والخيلاء، كما أن النهي عن التماثيل واتخاذ الصور لما قد يكون من تعظيمها وما يؤدي إلى معاملتها بما يشعر بالاحترام والتقديس.
أما جرأته على الإفتاء بما يؤديه إليه اجتهاده حتى ولو خالف الرأي الشائع المعمول به بين الصحابة، فقد أثر عنه في ذلك ما لم يؤثر عن زملائه المكثرين من رواية الحديث. وليست الجرأة أن يفتي بما يخالف الحديث عن جهل به، فَإِذَا بَلَغَهُ عَدَلَ عَنْ رَأْيِهِ - كصنيع أبي هريرة في إبطاله صوم الجنب إذا أصبح من غير طهارة، ثم عدوله عن ذلك عندما بلغه حديث عائشة «أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا [مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ]، ثُمَّ يَصُومُ» [3] - ولكننا نعني بالجرأة أن

(1) " المسند " لابن حنبل: 2/ 267.
(2) " المسند " لابن حنبل: ج 3 حديث رقم 3307.
[3] انظر " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص 124، 126.
اسم الکتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري المؤلف : عبد المجيد محمود    الجزء : 1  صفحة : 167
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست