responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق المؤلف : القرافي، أبو العباس    الجزء : 1  صفحة : 183
فَإِنْ قُلْت فَلِمَ تُجْعَلُ الصِّفَةُ اللَّاحِقَةُ لِلْعُمُومِ مُؤَكِّدَةً لِلْعُمُومِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَهُوَ الْكَتَّانُ وَيَبْقَى اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ فِي غَيْرِ الْكَتَّانِ فَيَحْنَثُ بِغَيْرِهِ وَالتَّأْكِيدُ كَمَا يُتَصَوَّرُ بِالنِّيَّةِ يُتَصَوَّرُ بِاللَّفْظِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُؤَكِّدُ بِالْأَلْفَاظِ إجْمَاعًا كَذِكْرِ الشَّيْءِ مَرَّتَيْنِ وَقَوْلُهُمْ قَبَضْت الْمَالَ كُلَّهُ نَفْسَهُ وَأَلْفَاظُ التَّأْكِيدِ كَثِيرَةٌ أَسْمَاءٌ وَحُرُوفٌ كَانَ وَأَنَّ وَاللَّامَ نَحْوَ إنَّ زَيْدًا لَقَائِمٌ فَتَكُونُ الصِّفَةُ الْمُؤَكِّدَةُ لِلْعُمُومِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ فَيَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ النَّوْعِ كَمَا قُلْته فِي النِّيَّةِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَإِنْ جَعَلْتهَا أَعْنِي الصِّفَةَ مُخَصِّصَةً مَعَ صَلَاحِيَّتِهَا لِلتَّأْكِيدِ لَزِمَك أَنْ تَجْعَلَ النِّيَّةَ مُخَصِّصَةً مَعَ صَلَاحِيَّتِهَا لِلتَّأْكِيدِ وَغَايَتُهُ فِي الصِّفَةِ إنْ نَطَقَ بِصِفَةِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ كَمَا نَوَى هَاهُنَا بَعْضَ الْأَنْوَاعِ فَيَكُونُ الْكُلُّ مُؤَكِّدًا أَوْ الْكُلُّ مُخَصِّصًا أَمَّا جَعْلُ الصِّفَةِ مُخَصِّصَةً وَالنِّيَّةُ غَيْرَ مُخَصِّصَةٍ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ الْكَتَّانِ بِالْإِخْرَاجِ فَتَحَكُّمٌ مَحْضٌ قُلْت هَذَا السُّؤَالُ حَسَنٌ وَقَوِيٌّ وَقَلَّ مَنْ يَتَفَطَّنُ لَهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ نَقُولَ إنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ التَّحَكُّمِ بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالنِّيَّةِ أَنَّ الصِّفَةَ لَفْظٌ لَهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ دَلَالَتُهُ عَلَى عَدَمِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فَكَانَ دَالًّا بِمَفْهُومِهِ عَلَى عَدَمِ انْدِرَاجِ غَيْرِ الْكَتَّانِ فِي الْيَمِينِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ الَّتِي هِيَ الْمَفْهُومُ وَالنِّيَّةُ لَيْسَ لَهَا دَلَالَةٌ أَلْبَتَّةَ لَا مُطَابَقَةَ وَلَا تَضَمُّنَ وَلَا الْتِزَامَ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَعَانِي وَالْمَعَانِي مَدْلُولَاتٌ لَا دَالَّةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي النِّيَّةِ مَا يَقْتَضِي إخْرَاجَ غَيْرِ الْكَتَّانِ فَبَقِيَ الْعُمُومُ فِيهِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ بِخِلَافِ الصِّفَةِ فَإِنَّهُ وُجِدَ فِيهَا الدَّالُّ عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْ جِهَةِ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ وَهُوَ مَفْهُومُ الصِّفَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَإِنْ قُلْت فَلِمَا لَا تَجْعَلُ الصِّفَةَ اللَّاحِقَةَ لِلْعُمُومِ مُؤَكِّدَةً لِلْعُمُومِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَهُوَ الْكَتَّانُ إلَى آخِرِ السُّؤَالِ) قُلْت السُّؤَالُ وَارِدٌ قَالَ (قُلْت هَذَا السُّؤَالُ حَسَنٌ وَقَوِيٌّ وَقَلَّ مَنْ يَتَفَطَّنُ لَهُ) قُلْت يَكْفِي اعْتِرَافُهُ بِقُوَّةِ السُّؤَالِ قَالَ (وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ نَقُولَ إنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّحَكُّمِ بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالنِّيَّةِ أَنَّ الصِّفَةَ لَفْظٌ لَهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ دَلَالَتُهُ عَلَى عَدَمِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ إلَى قَوْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّأْوِيلِ بِخِلَافِ مَنْ اسْتَحَلَّهَا كَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَأْتِ فِي حَدِيثِ قُدَامَةَ أَنَّهُ حُدَّ وَمِمَّا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ زَمَانًا جَاهِلَةً بِالْعَمَلِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا فِيمَا تَرَكَتْ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَوْ طَالَ بِالْمُسْتَحَاضَةِ وَالنُّفَسَاءِ الدَّمُ فَلَمْ تُصَلِّ النُّفَسَاءُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَلَا الْمُسْتَحَاضَةُ شَهْرًا لَمْ تَقْضِيَا مَا مَضَى إذَا تَأَوَّلَتَا فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ دَوَامَ مَا بِهِمَا مِنْ الدَّمِ وَقِيلَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا تَرَكَتْ بَعْدَ أَيَّامِ أَقْرَائِهَا يَسِيرًا أَعَادَتْهُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاؤُهُ بِالْوَاجِبِ وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا إذَا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ جَاهِلَةً لَا تَقْضِي صَلَاةَ تِلْكَ الْأَيَّامِ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهَا الْقَضَاءَ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْمُسَافِرُ يَقْدُمُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَيَظُنُّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا صَوْمَ لَهُ أَوْ تَطْهُرُ الْحَائِضُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا حَتَّى تَطْهُرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَلَا كَفَّارَةَ هُنَا وَإِنْ خَالَفَ الدَّلِيلَ لِأَنَّهُ مُتَأَوَّلٌ وَإِسْقَاطُ الْكَفَّارَةِ هُوَ مَعْنَى الْعَفْوِ
النَّوْعُ الثَّالِثُ الْعَمَلُ بِمَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْ حُكْمِهِ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْخُلُوِّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ «وَمَا سُكِتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ» وَأَشْبَاهِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْخُلُوِّ فَيُمْكِنُ أَنْ يُصْرَفَ السُّكُوتُ عَلَيْهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ مَعَ وُجُودِ فِطْنَتِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] فَإِنَّ هَذَا الْعُمُومَ يَتَنَاوَلُ بِظَاهِرِهِ مَا ذَبَحُوا لِأَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَإِذَا نُظِرَ إلَى الْمَعْنَى أَشْكَلَ لِأَنَّ فِي ذَبَائِحِ الْأَعْيَادِ زِيَادَةً تُنَافِي أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فَكَانَ لِلنَّظَرِ هُنَا مَجَالٌ وَلَكِنَّ مَكْحُولًا سُئِلَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ كُلُّهُ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا يَقُولُونَ وَأَحَلَّ ذَبَائِحَهُمْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْآيَةَ لَمْ يُخَصَّ عُمُومُهَا وَإِنْ وُجِدَ هَذَا الْخَاصُّ الْمُنَافِي وَعَلِمَ اللَّهُ مُقْتَضَاهُ وَدُخُولَهُ تَحْتَ عُمُومِ اللَّفْظِ وَمَعَ ذَلِكَ فَأَحَلَّ مَا لَيْسَ فِيهِ عَارِضٌ وَمَا هُوَ فِيهِ لَكِنْ بِحُكْمِ الْعَفْوِ عَنْ وَجْهِ الْمُنَافَاةِ وَإِلَى نَحْوِ هَذَا يُشِيرُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَعَفَا عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ لَا عَنْ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» وَحَدِيثُ الْحَجِّ أَيْضًا مِثْلُ هَذَا حِينَ قَالَ «أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَوْ لِلْأَبَدِ» لِأَنَّ اعْتِبَارَ اللَّفْظِ يُعْطِي أَنَّهُ لِلْأَبَدِ فَكَرِهَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُؤَالَهُ وَبَيَّنَ لَهُ عِلَّةَ تَرْكِ السُّؤَالِ عَنْ مِثْلِهِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ «إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا» إلَخْ يُشِيرُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ السُّؤَالَ عَمَّا لَمْ يَحْرُمْ ثُمَّ يَحْرُمْ لِأَجْلِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا يَأْتِي فِي الْغَالِبِ مِنْ جِهَةِ إبْدَاءِ وَجْهٍ فِيهِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ مَعَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْحِلِّيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فُرُوعُهُ فِي أَنْفُسِهَا أَوْ دَخَلَهَا مَعْنًى يُخَيَّلُ الْخُرُوجُ عَنْ حُكْمِ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَنَحْوُهُ حَدِيثُ «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ» وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ
الْوَجْهُ الثَّانِي السُّكُوتُ عَنْ مَجَارِي الْعَادَاتِ مَعَ اسْتِصْحَابِهَا فِي الْوَقَائِعِ كَمَا فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَى حُكْمِ الْإِقْرَارِ ثُمَّ حَرُمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَدْرِيجٍ كَالْخَمْرِ فَإِنَّهَا كَانَتْ مُعْتَادَةَ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَتُرِكَتْ عَلَى حَالِهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَزَمَانًا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُتَعَرَّضْ فِي الشَّرْعِ لِلنَّصِّ عَلَى حُكْمِهَا حَتَّى نَزَلَ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: 219] فَبَيَّنَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ وَأَنَّ الْأَضْرَارَ فِيهَا أَكْبَرُ مِنْ الْمَنَافِعِ وَتُرِكَ الْحُكْمُ الَّذِي اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ وَهُوَ التَّحْرِيمُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا أَرْبَتْ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فَالْحُكْمُ لِلْمَفْسَدَةِ وَالْمَفَاسِدُ مَمْنُوعَةٌ فَبَانَ وَجْهُ الْمَنْعِ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُنَصَّ عَلَى الْمَنْعِ وَإِنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ تَمَسَّكُوا بِالْبَقَاءِ مَعَ الْأَصْلِ الثَّابِتِ لَهُمْ بِمَجَارِي الْعَادَاتِ

اسم الکتاب : الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق المؤلف : القرافي، أبو العباس    الجزء : 1  صفحة : 183
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست