اسم الکتاب : مقاصد الشريعة الإسلامية المؤلف : ابن عاشور الجزء : 1 صفحة : 120
لذته وتفيؤوا ظلاله، وأقبلوا على شؤونهم بما وسَّع دائرة عيشتهم وثروتَهم، فقوي الأمل واستقام العمل.
وعندما دعتهم الحاجة إلى كثرته جعلوا المعامل لآلات الغزل والنسيج، ولُيِّن الحديد حتى تصرفوا فيه تصرّف النجار في ليّن أخشابه. وحين كثر المصنوع احتاجوا إلى إنفاقه بالبيع والشراء خارج أوطانهم، وأعون شيء على ذلك الخلطة. فسهلوا طرقها في البحر بالسفن البخارية، وفي البر بتأمين السبل وتمهيد الطرقات، واتخاذ ما يلزم من المراكب والعربات. وجعلوا البريد يحمل مكاتيب الخلطاء، واقتضت نهاية الحضارة نقل الأخبار فاستعملوا التلغراف.
وظهرت آثار العقول الصافية الناشئة في معهد الأمن المغذاة بلبان الحرية. كما أن ملوكهم يترفّعون عن الانتصاب للحكم بين المتداعين تفادياً من معاداة الناس، وأوكلوا الأمر إلى الحكام في مجالس الأحكام.
وهذا التدرج هو الذي أعانهم على ما يطلبونه من العمران، وسهّل عليهم أسباب الحضارة من غير تكلف. ذلك أنّ الأمر الضروري إذا تمّ على أحسن حال طلبَ بطبعه الأمر الحاجيَّ لما في الطباع من طَلَب المزيد، فإذا تمّ طَلَبَ بطبعه أوّل درجات التحسين. ولم يزل يتدرّج فيه بحسب قبوله واستعداده، ولو طمحت أنظارهم إلى التحسين من أول الأمر ما حصلوا على هذه الدرجة [1].
وتلك هي السُّنة في طلب الأسباب، والسعي وراء المقاصد على المنهج الرابح الذي دعا إليه الإسلام وأصَّلته الشريعة، وقضت به الحكمة، وهدت إليه سنن الراشدين في المنهجين السياسي والعملي، النظري والتطبيقي.
* * * [1] ابن أبي الضياف. الإتحاف: (2) 1/ 72 - 73.
اسم الکتاب : مقاصد الشريعة الإسلامية المؤلف : ابن عاشور الجزء : 1 صفحة : 120