responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مقاصد الشريعة الإسلامية المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 119
ومنها سوء التدبير السياسي وتجنّب حُسن السلوك في التصرّف في شؤون الدولة. فلا أضرّ بالعمران وأَدْعى لأسباب الخراب من تقديم الأمر التحسيني على الواجب الضروري. ودليل ذلك المشاهدة والتجربة، لأن التحسين قبل استقامة ما يراد تحسينه تقبيح [1]. ومن أجل ذلك كان من أفدح الأغلاط والأخطاء السياسية إقبال الأمير على التأنّق، والسرف في الكراريس [2]، وفي الأبنية الضخمة، وغير ذلك مما يدعوه ترف الحضارة. والناس على دين أمرائهم. وأنشأ النواشين (الأوسمة) على اختلاف مراتبها. وقبلها منه الملوكُ وأعيان الوزراء والأكابر من غير المملكة، وبالغ في كثرة إعطائها للناس، حتى قال له دقرنج مترجم سلطان الفرنسيس: "أيها السيد، إن النيشان لا يعمل السلطان، والسلطان يعمل النيشان" [3].
ولئن تتبعنا هذه الصور والنماذج وأمثالها في تاريخ ابن أبي الضياف لألفيناه بعد تقريره لأوجه الفرق القائمة بين الدول الأوروبية والدول الإسلامية في عهده، يدعو الملوك إلى حُسن السلوك والرشاد، والتغيير المبطل للفساد، واعتماد المشورة في كل أمر، وقبول النصيحة من أهلها، واتباع مناهج الفرنجة الذين بلغ العمران في بلدانهم إلى غاية يكاد السامع أن لا يصدّق بها إلا بعد المشاهدة. فألحَّ على ابتغاء الرقي والتقدم والعزة والمنعة بمسايرة النمط الأوروبي، والسير على طريقه في التدرُّج المعقول عند اتخاذ الأسباب لذلك. فإنهم أسّسوا قوانين عدل حتى استقرّ الأمن وذاقوا

[1] ابن أبي الضياف. الإتحاف: (2) 1/ 72.
[2] واحدها (كروسة) في العامية التونسية، معناها: العربات التي تجرها الخيل.
[3] ابن أبي الضياف. الإتحاف: (2) 4/ 186.
اسم الکتاب : مقاصد الشريعة الإسلامية المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 119
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست