اسم الکتاب : شرح مختصر التحرير للفتوحي المؤلف : الحازمي، أحمد بن عمر الجزء : 1 صفحة : 7
(لاَ يُحْصِي ثَنَاءً عَلَى رَبِّهِ) لأنه سبحانه وتعالى له صفات وله أحكام وله أفعال، وصفاته لا منتهى لها، وأحكامه لا منتهى لها، وأفعاله لا منتهى لها، وحينئذٍ (الحمد) متعلق بصفاته وأحكامه وأفعاله، فكما أن صفاته وأفعاله وأحكامه لا منتهى لها كذلك الحمد لا منتهى له، ولذلك قال: (فَالْعَبْدُ لاَ يُحْصِي) يعني: لا يعد ثناءً (عَلَى رَبِّهِ)؛ {لأَنَّ وَصْفَ الْوَاصِفِ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهُ مِنْ الْمَوْصُوفِ} والله جل وعلا لا يدرك، وإذا كان كذلك كما قررناه أن الحمد هنا متعلق بالصفات ومتعلق بالأحكام وبالأفعال.
لما أثنى على الخالق جل وعلا ثنَّى بالثناء على أفضل الخلق، وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: (وَالصَّلَاةُ) هذا مبتدأ.
(عَلَى أَفْضَلِ خَلْقِهِ) هذا هو الخبر.
(الصَّلَاةُ) صلاة الله تعالى على عبده كما هو الصحيح الذي قرره ابن القيم رحمه الله تعالى: هو ثناؤه في الملأ الأعلى، يعني: على عبده، كما ذكره البخاري في صحيحه عن أبي العالية. وقيل: الرحمة، وقيل غير ذلك، والصواب الأول، وقد بين ابن القيم رحمه الله تعالى في البدائع وفي جلاء الأفهام بترجيح هذا القول من عدة أوجه.
ومن الملائكة الاستغفار والدعاء، ومن الآدمي التضرع والدعاء.
(وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) جمع بينهما طلباً أو امتثالاً للنص، الآية: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [الأحزاب:56]، وبناءً على ما ذهب إليه كثير من المتأخرين: أن إفراد الصلاة عن السلام مكروه، والعكس، يعني: لا يقال صلى الله على محمد دون أن يسلم، ولا أن يسلم دون أن يصلي، بناءً على هذه الآية، والصحيح أنه لا يكره؛ لأن الدلالة هنا مأخوذة من دلالة الاقتران، وهي ضعيفة كما سيأتي في موضعه، فالصواب أنه يجوز الاقتصار على الصلاة دون السلام بلا كراهة، والعكس كذلك بلا كراهة، ولكن كمال الامتثال إنما يكون بالجمع بين الأمرين امتثالاً للآية.
(وَالسَّلَامُ) السلام بمعنى التحية، أو السلامة من النقائص والرذائل، ومن أسمائه سبحانه: السلام، لسلامته من النقائص والعيوب، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ...
وَهُو السَّلاَمُ عَلَى الحَقِيقَةِ سَالِمٌ ... مِنْ كُلِّ تَمثِيلٍ وَمِنْ نُقْصَانِ
وجمع المصنف بين الصلاة والسلام امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى: ((صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [الأحزاب:56] أمر بهما وقرن بينهما، حينئذٍ كمال الامتثال الاقتران، لكن الكراهة والنهي عن إفراد أحدهما دون الشيء الآخر هذا يحتاج إلى دليل خاص منفصل.
(عَلَى أَفْضَلِ خَلْقِهِ) يعني: والصلاة والسلام على أفضل خلقه .. الصلاة على أفضل خلقه، والسلام على أفضل خلقه، يعني: تنازع فيه المصدران، يحتاج إلى تقدير .. أن يُعلق بالأول ويقدر للثاني أو بالعكس، يعني: إما أن نجعل (عَلَى أَفْضَلِ خَلْقِهِ) متعلقاً بمحذوف خبر للمبتدأ الصلاة ونقدر للسلام، أو نجعل الخبر محذوفاً دل عليه المذكور ونجعل (عَلَى أَفْضَلِ خَلْقِهِ) متعلق بقوله: (السَّلَامُ).
اسم الکتاب : شرح مختصر التحرير للفتوحي المؤلف : الحازمي، أحمد بن عمر الجزء : 1 صفحة : 7