responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أنس المسجون وراحة المحزون المؤلف : الحلبي، صفي الدين    الجزء : 1  صفحة : 162
دمي على يده، فلو اجتمع أهل الأرض والسّماء على صرف ذلك عنّي لما استطاعوه، فلم أتعجّل الهمّ والغمّ وأتسلّف الفكر فيما قد فرغ الله منه؟ وإنّي حسن الظنّ بالله الذي خلق ورزق، وأمات وأحيا، وفطر وجبل، وأحسن وأجمل، وأين الصّبر والرّضا، والتّفويض والتّسليم إلى من يملك الدّنيا والآخرة؟ وقد كنت أحسب أنّك تعرف هذا، فإذا قد عرفت مبلغ فهمك فإنّي لا أكلّمك كلمة حتى تفرّق بيننا حضرة أمير المؤمنين قريبا إن شاء الله.
ثم أعرض عنّي فما سمعت له لفظة بغير القرآن والتّسبيح إلاّ أن يطلب ماء أو حاجة تجري مجراه، حتى شارفنا الكوفة في اليوم الثالث عشر بعد الظّهر وإذا النّجب قد استقبلتني على فراسخ من الكوفة يتحسّسون خبري، فلما رأوني رجعوا متقدّمين بالخبر إلى الرّشيد، فانتهيت إلى الباب في آخر النهار، وحططت.
ودخلت على الرّشيد، فقبّلت الأرض بين يديه ووقفت، فقال: هات ما عندك، وإيّاك أن تغفل منه لفظة واحدة. فسقت الحديث من أوّله إلى آخره حتى انتهيت من فراغ الأموي من الفاكهة والطّعام والغسل والطّهور والبخور والصّلاة، وما حدّثت به نفسي من امتناعه. والغضب في وجه أمير المؤمنين يتزايد حتى انتهيت إلى فراغه من الصلاة، وانفتاله إليّ، ومسألته عن سبب قدومي، ودفعي الكتاب إليه، ومبادرته إلى إحضار ولده وأسبابه، وحلفه ألاّ يتبعه أحد منهم، وصرفه إيّاهم، ومدّ رجليه حتّى قيّدته. فما زال وجه الرّشيد يسفر حتى انتهيت إلى ما خاطبني به عند توبيخي إيّاه. فقال: صدق والله، صدق، ما هذا إلاّ رجل محسود على النّعمة، مكذوب عليه؛ لتزول نعمته.
ولعمري، لقد آذيناه وأزعجناه وروّعناه ورعّبنا أهله. فبادر بنزع قيوده عنه، وائتني به.
فخرجت، فنزعت قيوده، وأدخلته فما هو إلاّ أن رآه حتّى رأيت ماء

اسم الکتاب : أنس المسجون وراحة المحزون المؤلف : الحلبي، صفي الدين    الجزء : 1  صفحة : 162
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست