اسم الکتاب : أنس المسجون وراحة المحزون المؤلف : الحلبي، صفي الدين الجزء : 1 صفحة : 159
وحاشية كثيرة، فلم أستأذن، ودخلت بغير إذن، فلما رأى القوم ذلك، سألوا بعض من كان معي عنّي، فقال: هذا منارة رسول أمير المؤمنين الرّشيد إلى صاحبكم. فأمسكوا فلما صرت في صحن الدّار نزلت ورأيت مجلسا فيه جماعة جلوسا، فظننت الرّجل فيهم، فقاموا إليّ ورحّبوا بي وأكرموني، فقلت: أفيكم فلان؟ قالوا: لا، نحن أولاده، وهو في الحمام، قلت: استعجلوه.
فمضى بعضهم يستعجله، وأنا أتفقّد الدّار والأحوال والحاشية فوجدتها قد ماجت بأهلها موجا شديدا، فلم أزل كذلك حتى خرج الرّجل بعد أن أطال، واستربت به، واشتدّ قلقي وخوفي من أن يتوارى، إلى أن أقبل شيخا بزيّ [1] الحمّام، يمشي وحوله جماعة كهول وأحداث وصبيان هم أولاده وغلمان كثير فعلمت أنّه الرّجل، فجاء حتى جلس، وسلّم عليّ سلاما خفيفا، وسألني عن أمير المؤمنين، واستقامة أمر حضرته. فأخبرته بما وجب، وما قضى كلامه حتى جاؤوه بأطباق فاكهة، فقال لي: تقدّم يا منارة، فكل معنا. فقلت: ما بي إلى ذلك حاجة. فلم يعاودني، وأقبل يأكل هو والحاضرون عنده، ثم غسل يده، ودعا بالطعام، فجاؤوا بمائدة [2] حسنة عظيمة لم أر مثلها إلاّ للخليفة، فقال: تقدّم يا منارة، فساعدنا على الأكل. لا يزيدني على أن يدعوني باسمي، كما يدعوني الخليفة، فامتنعت، فلم يعاودني، وأكل هو وأولاده، وكانوا تسعة عددهم، وجماعة كثيرة من أصحابه وحاشيته، وجماعة من أولاد أولاده، وتأمّلت أكله من نفسه، فوجدته أكل الملوك، وذلك الاضطراب الذي في داره قد سكن، ورأيت جأشه رابطا [3] ووجدته لا يرفع من بين يديه شيء إلاّ
5 - (صفف). [1] في الأصل: من بزيّ. [2] في الأصل: فجاؤوا به بمائدة. [3] في الأصل: رابضا.
اسم الکتاب : أنس المسجون وراحة المحزون المؤلف : الحلبي، صفي الدين الجزء : 1 صفحة : 159