اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 88
وهنا لا بد أن يتساءل القارئ: بماذا تفترق القصيدة الطويلة عن القصيدة الغنائية؟ وقد حاول "هربرت ريد"[1] أن يجيب عن هذا، فوجد أن مجرد الطول لا يجعل من القصيدة عملا شعريا ضخما, فالفرق بين القصيدة الطويلة والقصيدة الغنائية فرق في الجوهر. فنحن نسمي القصيدة في العادة قصيدة غنائية، وكان ذلك يعني في الأصل قصيدة من القصر بحيث يمكن تلحينها وغناؤها في فترة معينة، ويمكن تعريف القصيدة الغنائية من وجهة نظر الشاعر بأنها قصيدة تجسم موقفًا عاطفيًّا مفردًا أو بسيطًا. إنها قصيدة تعبر مباشرة عن حالة أو إلهام غير منقطع. أما القصيدة الطويلة فهي قصيدة تربط بمهارة بين كثير من تلك الحالات العاطفية، وإن كان من الواجب هنا أن تصحب المهارة فكرة عامة واحدة، هي في ذاتها تكوّن وحدة عاطفية. ثم يقول "ريد": وأريد أن أؤكد بصفة خاصة كلمتي العاطفة والفكرة في سياقهما الخاص، فمن الممكن أن نجد أنهما هما الكلمتان اللتان بتسلطهما على طبيعة الشعر، توصلان إلى التفريق الجوهري الذي نرغب في تقريره بين القصيدة الطويلة والقصيدة الغنائية. وينبه "ريد" إلى أن بعض الأنواع الأدبية يكون الطول فيها ملزمًا بحكم موضوعها، كقصص كانتربري[2]، فهي طويلة بحكم أن الشاعر كان عليه أن يسرد مجموعة من القصص في الشعر، وليس هذا هو العمل الشعري الضخم أو الطويل. وينتهي "ريد" إلى أنه عندما تسيطر الصورة على المعنى "أي: عندما يحدد المعنى تحديدًا كافيًا لينظر إليه بوصفه وحدة مفردة، أي: حين يؤخذ منذ البداية حتى النهاية في توتر ذهني واحد" عندئذ يمكن أن تعرف القصيدة بحق بأنها "قصيرة". ومن جهة أخرى, فإنه عندما يكون المعنى معقدًا بحيث يتحتم على العقل أن يستوعب أجزاء منفصلة، وينظم هذه الأجزاء أخيرًا في وحدة لها مدلول عام، عندئذ تعرف القصيدة بحق بأنها "طويلة"[3].
وهذا "البناء" الداخلي للقصيدة الطويلة يدخل التعقيد عنصرا أساسيا فيه، في حين أن البساطة وتحدد العاطفة هما من طبيعة القصيدة الغنائية.
وقليل من النقاد من التفت إلى العلاقة بين الطول في الأعمال الفنية وبين التعقيد والعظمة. ويمكن الانتهاء في ذلك -مع "ريد"- إلى قاعدة عامة، هي أن السطر الواحد من الشعر, أو المقطع الواحد، تتهيأ له فرصة أوسع لأن يكون عظيمًا إذا هو جاء في عمل شعري طويل. ومعنى هذا أن التعقيد يصعب تحققه في الحيز المحدود "مفهوم هنا [1] انظر:
H. Read., Collected Essays in Literary Criticism. Faber- London 1951. p. 58. ff. [2] The Canterbury Tales-Chaucer للشاعر الإنجليزي تشوسر. [3] نفسه ص19.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 88