responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 80
الصورة القديمة وخصائصها:
وأول ما يجدر الالتفات إليه -فيما يختص بالشعر القديم- هو أن الشاعر -وكذلك الناقد- كان ينزع نزعة حسية في فهم الجمال وفي تصويره. هذه النزعة الحسية كانت حرية أن تفرض نفسها على "الصورة الشعرية"، فإذا نحن قرأنا بيت ابن المعتزّ المشهور:
وأنظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر
تمثلت لنا تلك الخاصة الحسية في الصورة، فقد أراد الشاعر أن يصور الهلال فالتمس له من عالم الحس صورة الزورق الذي يسبح في الماء وقد حمِّل بالعنبر. وإذا نحن مضينا في تحليل هذه الصورة وجدنا أن شكل الزورق يشبه تمامًا شكل الهلال، وأن حجمه يساوي حجم الهلال "من بعيد"، وأن لونه "ولا غرابة في أن يكون لون الزورق فضيًّا" يشبه لون الهلال, والهلال في السماء كالزورق في الماء. وبذلك يتساوى الهلال والزورق من حيث الحجم والشكل واللون والواقع، وهي الأمور الحسية التي تعيّن وجوه التشابه. وقديمًا أعجب النقاد والشعراء بهذا البيت، بل أصبح من الأبيات التي يستشهد بها على الصورة الناجحة. وقد كان نجاح ابن المعتز يرجع إلى أنه استطاع أن يجد في تصويره للهلال الشيء الموازي له في عالم الحس، فراح يضعه في جانبه فإذا هما يتطابقان تطابقًا تامًّا، كما يتطابق المثلثان المتساويا الأضلاع والزوايا. وهذا ينتهي بنا إلى استخلاص صفة أخرى غير الحسية، امتازت بها الصورة القديمة، وهي صفة "الحرفية", وأعني بالحرفية أن يصرف الشاعر كل همه في أن يأتي للشيء بالصورة الحسية الموازية له، المتطابقة معه جزئيا وكليا. فعناصر التشابه التي رأيناها في المثل السابق تتطابق التطابق الحرفي الذي لا يترك خاصة حسية في الشيء المراد تصويره إلا جاء له في الصورة بما يساويه ويوازيه.
وحتى الآن نكون قد استخلصنا صفتين أساسيتين من صفات الصورة القديمة هما "الحسية" و"الحرفية", والصفة الثالثة من صفاتها أنها "شكلية". وماذا نريد إذن بالشكلية؟ لا شك أن الشاعر لا يصور لمجرد التصوير, وبعبارة أخرى: لا يسخر الشاعر قواه الإبداعية لكي يحكي لنا الشيء كما هو، فالمحاكاة وحدها قد تروقنا كما حدث في بيت ابن المعتز السابق، ولكننا نطلب في الشعر شيئًا آخر هو الشعور، وهو ما افتقدته الصور القديمة. فإذا وقفت لحظة لتسأل ابن المعتز: أي ربط نفسي بين الزورق والهلال في نفسك حتى حرك الهلال فيها صورة الزورق؟ ثم أي "شحنة" شعورية يثيرها الهلال في النفس قد نقلها ذلك الزورق؟ لم تجد أي رابط نفسي، كما لم تجد أي شعور. إن

اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 80
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست