اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 43
بالحاجة إلى التمرد على فهمه. وفي هذه الحالة الأخيرة ما يزال الناقد يساعدك على اتخاذ موقف خاص بك. ولكننا -برغم ذلك- نحب أن نفهم العمل الأدبي مستقلين، أن نحسن فهمه أو نسيء هذا الفهم، ولكن حريتنا في فهمه مع احتمال الخطأ في هذا الفهم لا يعدلها أن نقيد بفهم الناقد ذاته مهما كان هذا الفهم صائبًا، فأفضل لمتذوق الأدب أن يصيب في فهمه مرة ويخطئ مرة؛ لأنه في صوابه وخطئه ستنكشف له المعالم ويتحدد الطريق.
مهما يكن من أمر موقفنا, فإن مهمة الناقد تتضمن عملية تفسير العمل الأدبي، كما تتضمن عرض ما فيه من قيم.
ولكي يكشف الناقد عن قيم للعمل الأدبي لا بد أن تكون له معرفة سابقة بهذا النوع من القيم. وهو يبدأ في تكوين فكرته عن هذه القيم منذ أن يواجه ذلك السؤال الأول الذي لا بد لكل ناقد أن يبدأ فيسأله نفسه: ما مهمة الأدب؟ والناقد البصير في تحديده هذه المهمة سيجد أن الأدب لا يمكن فصله عن الحياة، وهو حين يصدر حكمه على العمل الأدبي دون أن يدخل في حسابه هذه العلاقة الوطيدة فلن يكون لحكمه أثره؛ لأن هذا الحكم أيضًا لا بد أن يستمد قيمته -كما يستمد الأدب قيمته- من صلته بالحياة. "فالناقد هو الحلقة التي تربط بين العمل الأدبي والحياة، وواجبه أن يحدد هذه العلاقة، وطبيعة القيمة الأدبية تعتمد على طبيعة العلاقة بين الفن والحياة في مجموعها، ومحاولة إصدار حكم على الأدب قبل الوصول إلى تصور نهائي بشأن هذه العلاقة لا يمكن أن يكون لها نتيجة مفيدة؛ لأن ذلك معناه تحديد القيمة بقاعدة غير محددة[1]. [1] Daiches: كتابه السابق ص8. قواعد النقد:
معنى هذا أن هناك قواعد محددة، أو على الأقل مفهومات محددة، يلزم الناقد أن يأخذ نفسه بها, وهذا صحيح، ولكن الناقد يطبق هذه القواعد أو يستخدم هذه المفهومات بطريقته الخاصة. وقد امتلأ ميدان النقد الأدبي بالمصطلحات الفنية التي ينبغي أن يكون الناقد عارفًا بمعانيها المحددة قبل أن يستخدمها، فهي أدوات فكرية يتعامل الناس بها وينبغي أن تكون واضحة المدلول في أذهان من يستعملونها ومن يتلقونها على السواء. وكثيرًا ما ينشأ سوء الفهم والتفاهم نتيجة لاختلاف المدلولات التي يستخدم من أجلها اللفظ الواحد عند أفراد مختلفين. ونسوق مثالا على ذلك عبارة "الفن من أجل الفن"، فقد شاع بين الكثيرين أن هذه العبارة تقف بمدلولها في موقف معارض للعبارة الأخرى "الفن من أجل الحياة", وعندئذ راحوا يبنون أفكارًا ويصدرون أحكامًا على الأدب الذي يتعرضون لنقده أو الحديث عنه. والواقع أنه لا تعارض هناك؛ لأنه إذا كان
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 43