responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 42
جوانب أخرى لا ينبغي إغفالها, وهنا يقال: إن عملية التفسير التي يقوم بها الناقد تكشف للقارئ عن كل ما يمكن أن نسميه إمكانات العمل الأدبي. والذين يضيقون بلفظة الإمكانات يستطيعون أن يستخدموا مكانها لفظة المؤثرات؛ وعندئذ تكون عملية التفسير التي يقوم بها الناقد هي محاولة للكشف عن كل المؤثرات التي يمكن أن يؤثر بها العمل الأدبي. يتضح ذلك إذا نحن لاحظنا ما هو شائع من أن القارئ وحده قد يقرأ العمل الأدبي فلا يتأثر به، أو يتأثر به تأثرًا محدودًا، فإذا قام الناقد بتفسيره له ازداد تأثره به -إيجابًا أو سلبًا فهذا لا يهم هنا- عما قبل، وهذا معناه أن مهمة عملية التفسير التي يقوم بها الناقد هي أن تخلق صلة بين العمل الأدبي والقارئ، وأن تقربه من نفسه. وهذه المهمة لها اعتبارها عندما ننتقل إلى الشطر الثاني من التساؤل وهو الخاص بمعنى القيم.
ولكن قبل أن نفحص موضوع القيم نحب أن نشير إلى أن عملية التفسير السابقة -برغم ما رأينا لها من فائدة الكشف عن كل العناصر المكونة للعمل الأدبي والمؤثرة في القارئ- لها صعوبات جمة من جهة، ولها خطورتها -أحيانًا- على القارئ من جهة أخرى.
أما الصعوبات فأمر يتعلق بالناقد ذاته، فهو الذي يصادف هذه الصعوبات، وهو لأجل أن يقوم بمهمته هذه محتاج دائمًا إلى منهج يرسم له خطوط المهمة حتى لا يضل أو يفلت من يده شيء، فتحليل العمل الأدبي دون منهج واضح في نفس الناقد لهذا التحليل أمر محفوف بالمخاطر.
فإذا تركنا الصعوبات جانبًا اصطدمنا بالخطورة العامة لهذه العملية التفسيرية، وأقل ما يمكن أن يقال في هذا الصدد هو أننا نسمح للناقد -حين نترك له هذه المهمة- أن يتدخل تدخلا غريبًا في حياتنا، فهو يربطنا بطريقته في الفهم، ويفرض علينا وضعًا معينًا للعمل الأدبي، يضيق علينا فيه الخناق حتى لا نفلت من يده، فندور في نطاق فهمه الذي ضربه حولنا، ونحن بذلك نفقد كل حريتنا في الفهم والتذوق، ولا نستردها إلا حينما نحاول التمرد على هذا الفهم المفروض.
هذه حقيقة, ولكن ينبغي ألا نغالي فيها، فليس كل ناقد قادرًا على أن يقوم بمهمة التفسير هذه على وجهها الأكمل، للصعوبات التي سبقت الإشارة إليها ولغيرها. وهو حين يستطيع ذلك يكون له الحق في أن يقوم بمهمته، ويكون من واجبنا أن نستفيد منه، فهو لا يستعبدنا بفهمه، ولكنه يساعدنا على الفهم. وموقفه في ذلك موقف الأديب ذاته، فأنت تفهم الحياة من خلال تجاربه الخاصة، وهنا أنت تفهم العمل الأدبي من خلال فهم الناقد له, وأنت تستفيد منه إلى أن تصل إلى المرحلة التي تحس فيها

اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 42
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست