اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 41
هذه وجهة نظر تجعل بين طبيعة النقد وطبيعة الأدب شبهًا -إن لم يكن تطابقًا- كبيرًا.
ولا يمكن بطبيعة الحال أن ننفي أن هناك "نقدًا إبداعيًّا Creative criticism" كهذا، ولكن هل يكون الإبداع هو طبيعة النقد؟ ففيمَ إذن يختلف عن الأدب؟! أعتقد أن هذا الاختلاف يمكن أن يتضح لنا إذا نحن حاولنا أن نستعين بمعرفة "الغاية" و"الوسيلة" عند كل من الأديب والناقد، وهنا يحضرني مثال طريف قرأته، هو أننا لا نرصد للص لصا آخر وإنما نرصد له الشرطي, فكذلك الأمر فيما يختص بالأدب، فنحن عادة لا نرصد للأديب أديبًا آخر وإنما نرصد له ناقدًا. صحيح أن اللص قد يكون أعرف بأساليب اللص، وصحيح أن الأديب قد يعرف الأديب ولكننا نضمن أداء المهمة بصورة أكثر إرضاء عندما نعهد بها إلى الشرطي أو إلى الناقد.
ولسنا -بطبيعة الحال- نقصد بهذا المثل تشبيه الأديب باللص والناقد بالشرطي، وإنما أردنا أن نضع يدنا على الفارق الواضح بين نوعين من العمل, ومهمتين متباينتين، هما مهمة الأديب ومهمة الناقد، فالأديب والناقد شخصان مختلفان، يقومان بمهمتين مختلفتين من حيث الغاية والوسيلة.
فإذا كنا نقول: إن عمل الأديب إبداعي creative, فإن طبيعة عمل الناقد recreative. أما مهمة النقد فهي تفسير العمل الأدبي للقارئ لمساعدته على فهمه وتذوقه، وذلك عن طريق فحص طبيعته وعرض ما فيه من قيم[1].
وهنا يمكن الوقوف للتساؤل عن عملية التفسير هذه ما معناها وكيف تتم، وكذلك عن معنى القيم، ويمكننا الآن أن نختصر الإجابة عن الشطر الأول من التساؤل فنقول: إن التفسير الذي يقوم به الناقد للعمل الأدبي عملية تحليلية تقوم على الدراسة الفنية لطبيعة العمل الأدبي، من حيث مادته والعناصر المكونة له وطريقة بنائه. وهذه العملية التحليلية تمضي من تصور العمل الأدبي في مجمله إلى دراسة الموقف المفرد أو الصورة المفردة، حسب ما هو مستخدم في هذا العمل, وهذه العملية من شأنها أن تطلع القارئ على كل شيء ولا تخفي عنه شيئًا.
فالقارئ إذا ترك وحده ليرتاد العمل الأدبي لم يستطع -في أغلب الأحيان- أن يكشف كل جوانبه. قد يرى في الشخصية التي في القصة مثلًا جانبًا بذاته ويغيب عنه [1] David Daiaches: New Literary values, Oliver & Boyd London 1939, p. 7.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 41