responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 40
إلينا خدمة كبيرة عندما يتولى عرض ذلك الأدب علينا، فنحن نتوق لأن نقرأ "المعري" في "رسالة الغفران" وفي "سقط الزند" وفي "اللزوميات"، وغير ذلك من إنتاجه الأدبي، ولكننا لا نجد الوقت لذلك؛ لأن هناك عشرات بل مئات من الأدباء غير المعري نتوق لقراءاتهم. وعندئذ يقوم النقد بمهمته التي لا تنكر، وهي أن يعرض لي المعري في كل مؤلفاته، فأعرف عنه ما لم يكن يتسع قوتي لاستنباطه من أدبه حين أطلع عليه جميعه، وكذلك الأمر مع غيره من الكتاب والأدباء، أستطيع أن أعرف عنهم -عن طريق الدراسات النقدية- شيئًا أفضل من أن أظل جاهلا بهم. أليس من الحق أننا نستفيد من خبرات غيرنا، ومن آرائهم، ومن نظراتهم إلى الأشياء، ومن أحكامهم النقدية؟ أليس حقا كذلك أننا نكون في كثير من الحالات في حاجة إلى خبرات غيرنا، وآرائهم، ونظراتهم؟ وهذا ما يجعل عمل الناقد ضرورة، برغم ما يمكن أن يكون له من سوء الأثر في تحيزنا، أو في اكتفائنا من المعرفة بما كان ينبغي أن نعرف أكثر منه، ولكن يخفف من ذلك أن الناقد الحق شخص مسلح بالمعرفة الواسعة، والقدرة الخاصة على النظر والفهم؛ ومن ثم فإنه يلفتنا في الطريق إلى ما نمر عليه دون أي انتباه، ويمدنا دائمًا بوجهة النظر الجديدة، ولسنا ملزمين دائمًا برأي الناقد، فنحن كثيرًا ما نختلف معه كما نتفق معه، وهذا يدل مرة أخرى على أننا نكسب دائمًا من عمل الناقد، على أي صورة كان موقفنا من نقده ورأيه. وسوف نعود بعد قليل إلى ذلك.

طبيعة النقد:
ولكن هل لنا الآن أن نعرف طبيعة عمل الناقد؟ لقد عرفنا في الفصل السابق كيف يرتبط الأدب بالحياة. ولا يجد أحد حرجًا في أن يقول: إن الأدب "يخلق" لنا حياة، فطبيعة العمل الأدبي إذن هي الإبداع، أي: إبداع شيء "لم يكن" من أشياء "كائنة" من قبل، فإلى أي حد تتفق أو تختلف طبيعة النقد مع ذلك؟
يقول هدسون: إن الناقد الذي يقوم بتفسير شخصية كاتب عظيم كما تظهر في نتاجه، وبتفسير هذا النتاج في جوانبه المختلفة بوصفه تعبيرًا عن الرجل نفسه, هذا الناقد يتناول الحياة بحق، تمامًا كما صنع الشاعر أو الكاتب المسرحي الذي كانت كتابته مادة لدراسته. فالكتاب العظيم شيء حي كالعمل العظيم، والعمليات الأدبية لها من الحيوية ما لتلك العمليات التي يتضمنها أي نشاط آخر من جوانب النشاط المختلفة في الحياة. إن النقد الحق يأخذ مادته وإلهامه من الحياة كذلك, وهو كذلك إبداعي، ولكن بطريقته الخاصة[1].

[1] نفسه ص348, 349.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 40
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست