responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 26
إن هناك عوامل تؤثر تأثيرًا واضحًا في إنتاج الأديب مرجعها إلى المجتمع, ولكن فعل هذه العوامل لا يكون قويا ذا أثر بعيد في العمل الأدبي الأصيل. من ذلك أن الأديب يكتب لجماعة دائمًا، وهو -فضلًا عن أنه يحقق ذاته في الجماعة- يريد أن يؤثر فيهم، وأن يكسب رضاهم, ووسيلته إلى هذا التأثير وهذا الكسب أن يحدثهم فيما يعنيهم. والحد الفاصل هنا بين الأدب العظيم والأدب "التجاري" غاية في الدقة؛ فالأديب العظيم يستطيع أن يؤثر في مجتمعه، وأن يكسب رضاه، دون أن يخضع لإرادة هذا المجتمع، بل ربما استطاع تحقيق ذلك وهو يقف معارضًا للمجتمع، والأديب التجاري وحده هو الذي يتملق الجماهير، ويخضع لها، ويترك إرادته تذوب في إرادتها. الأول هو الذي يؤدي دور الأديب الحق في مجتمعه، حين يتأثر بهذا المجتمع ثم يحاول التأثير فيه, وهو تأثير له خطورته؛ لأن له خطته وهدفه. أما الثاني فلا يمكن أن يكون عامل دفع في مجتمعه؛ لأنه سيترك المجتمع يدور في نطاق ذاته.
والمضمون الاجتماعي للعمل الأدبي -بهذا المعنى- لا يستمد في الحقيقة من واقع الحياة في المجتمع، بل من "موقف" الأديب "الفكري" من الحياة في هذا المجتمع. والمضمون في ذاته قيمة, وهو قيمة تتولد عن مواقف الأديب الفكرية من القيم الأخرى السائدة في المجتمع. فالعمل الأدبي ذو المضمون الاجتماعي هو الذي يضيف إلى مجموعة القيم السائدة قيمة جديدة قد تلغيها أو تعدل منها.
وهنا يأتي الحديث عن أثر الأدب في المجتمع، فهو بما يقدم إليه من قيم جديدة يساعد على تغييره وتشكيله. وأقرب مثال نسوقه هنا دليلًا على ذلك أن أبطال القصص والمسرحيات -وهي أعمال أدبية- ليست سوى قيم مجسمة، إذا أمكن التعبير. وكثير من الناس قد غيروا -أو على الأقل عدلوا- من اتجاههم في الحياة، وفهمهم إياها، وموقفهم منها، متأثرين بشخصية بذاتها في قصة أو مسرحية. والأفضل هنا أن نقول: متأثرين بقيمة جديدة أو بمضمون.
هذا فيما يختص بمشكلات الجانب الأول من العلاقة بين الأدب والمجتمع.
أما الجانب الثاني فيناقش في إطار نظرية العبقرية، "فالعبقرية والإلهام ينظر إليهما بوصفهما قوة خفية تدب في الإنسان مستقلة عن جهوده الخاصة. فمثلًا نجد "موزار"[1] يؤلف في سن السادسة، ويصير "كيتس"[2] شاعرًا عظيمًا في سن العشرين، ويكتب

[1] فولفجانج موتسارت Wolfgang Mozart "1756-1791 م": مؤلف موسيقى نمساوي، يعد من أعظم عباقرة الموسيقى في كل العصور.
[2] جون كيتس John Keats "1795-1821 م": شاعر إنجليزي، يعد أحد زعماء المدرسة الرومانتيكية.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 26
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست