اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 25
[3]- العلاقة بين الأديب والمجتمع:
ونحن نبدأ هنا في شرح ذلك من حيث وقفنا في العنصر السابق، أعني: العلاقة الأسلوبية اللغوية بين الأديب والمجتمع. وقد رأينا أن التزاوج واقع بين طريقة الأديب الخاصة في استخدام اللغة، والطريقة التي تستخدم بها هذه اللغة في المجتمع. "إننا نستطيع أن ندرس طرق التعبير عند فرد من الأفراد، أو جماعة من الجماعات، أو عصر من العصور، فنجد أن الفرد -من حيث إنه يختار المادة التي أعدتها اللغة- يتأثر بالحساسية اللغوية لجماعته وعصره, وهو بمقدار ما يعكس من هذه الحساسية يساعد على توطيد الصور الأسلوبية. ولكن حساسيته الشخصية تقوم كذلك بدور فعال، فهو ذاته يستطيع في هذه الحال أن يؤثر في جماعته التي ستؤثر بدورها في مجالات واسعة، فنحن لا نستطيع أن ننكر أنه وجد أسلوب رومانتيكي مثلا، له خصائص أسلوبية فردية، ولكنه كذلك قد خلق حساسية لغوية جديدة وعامة"[1].
معنى هذا أن هناك تبادلا في التأثير بين الأدب ومجتمعه في استخدام اللغة, فإذا ما توسعنا قليلا -وهو هنا توسع معقول ومشروع، لما بين اللغة والأدب من علاقة- قلنا: إن هناك تبادلا في التأثير والتأثر بين الأديب ومجتمعه في إنتاجه الأدبي.
فالأديب يتأثر بالحياة الخارجة السائدة في بيئته، القائمة في مجتمعه، وهو يستمد أدبه من حياة هذا المجتمع, وهنا تأتي العبارة المأخوذة عن "دي بونا"[2]، التي تقول: "إن الأدب تعبير عن المجتمع"[3]. وعندئذ نتساءل مع "ولك" و"وارن": ما معنى هذه الحقيقة التي يسلم بها الناس دون برهان؟ إذا كانت تعني أن الأدب في أي زمان من الأزمان مرآة تنقل أحوال المجتمع نقلًا "صادقًا" فإنها تكون باطلة. إنها حقيقة عادية وقديمة ومبهمة إذا كانت تعني فقط أن الأدب يصور بعض مظاهر الواقع الاجتماعي, وحتى القول: إن الأدب مرآة تنقل الحياة أو تعبر عنها، قول أكثر غموضًا. إن الكاتب لا يملك إلا أن يعبر عن تجربته وفهمه العام للحياة, وإنها لقاعدة تقديرية خاصة أن تقول: إن المؤلف ينبغي أن يعبر عن الحياة في زمنه تعبيرًا كاملًا، وأن يكون "ممثلًا" لعصره ومجتمعه[4].
فالأديب حين يتأثر بالمجتمع إنما يعكس فهمه هو على هذا المجتمع, والأدب تصوير لهذا الفهم ونقل له. أما أن ينقل الأديب حياة المجتمع أو أن يكون المرآة التي تعكس حياة هذا المجتمع ليتلقاها أو يراها المجتمع ذاته فعبث ليس من الأدب في شيء. فالأديب يتخذ لنفسه دائمًا موقفًا "فكريًّا" من مجتمعه, ومن هنا فقط تأتي الفرصة لأن نقول: إن الأديب يؤثر في مجتمعه, إنه يعيش في مجتمعه، ولكنه لا ينتج أدبه إلا في الحالة التي تستقل فيها ذاته عن هذا المجتمع، متخذة موقفا فكريا خاصا به. [1] Marcel Creasot: Le Style et ses Techniques: Press Universitaires de France, 1945, p. 4. [2] Louis de Bonald "1754-1840"، كاتب سياسي فرنسي، دافع عن المبادئ الكاثوليكية والملكية. [3] جي de Bonald السابق ص90. [4] نفسه.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 25