responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 132
الحوار، والصورة العامة التي يتمثل فيها الصراع هي صورة الصراع بين الخير والشر. وليست المشكلة دائمًا هي مشكلة الخير والشر المطلقين، ففي الحياة صور لا حصر لها لهذين المعنيين المطلقين، ولا تكاد تفرغ الحياة كل يوم من صورة هذا الصراع، سواء بين أشخاص وآخرين حول مبدأ، أو بين الشخص ونفسه حول فكرة أو نزعة. ومن ثَمَّ يرتبط المسرح بالحياة أشد الارتباط؛ لأنه يتصل اتصالًا مباشرًا بمشكلات الحياة التي تقع بين الناس, أو تتمثل في النفس الإنسانية.
فالحوار والصراع إذن هما الخاصتان الفنيتان اللتان تميزان فن المسرحية. ولا بد أن يرتبط هذان العنصران بطبيعة الحال في العمل المسرحي، فلا يكفينا من الحوار أن يأخذ صورة سؤال وجواب بين شخص وآخر، ولكننا ننتظر في المسرحية الحوار الذي ينقلنا إلى الحياة؛ الحوار الذي يجعلنا نتمثل الأشخاص في أزماتهم وصراعهم كما نتمثل الأفكار؛ الحوار كما يقع في الحياة بين الناس.
إن محاورات أفلاطون تصلح كل الصلاحية للقراء المنفردين الجالسين إلى دراساتهم أو في الحدائق تحت شجر الزيتون، ولكنها لا تصلح للجماهير؛ لأن الجماهير "حتى جماهير "المفكرين"" سوف يستغرقون في النوم أو يعودون إلى منازلهم إذا هم دعوا لمشاهدة ممثلين يلقون الأحاديث الطويلة الصعبة لسقراط[1] أو ألسبياد Alcibiades, تلك الأحاديث التي لا يصل منها إلا ما كان قريبًا من المنطق أو الحق، والتي لا يمكن أن تمتع إلا العقل المتأمل المهيأ تهيئة كافية لاستقبالها. بعبارة أخرى فإن مادة محاورات أفلاطون تخلو خلوًّا كبيرًا من الحركة action والعاطفة emotion. وقد عرف كتاب المسرحيات الإغريق أن المتفرجين لا يستطيعون أن يستجيبوا مدة طويلة لشيء سوى الحركة والعاطفة[2].
ومعنى هذا أن المسرحية لا يكفي فيها أن يوجد أشخاص، وأن يتحدث هؤلاء الأشخاص بعضهم إلى بعض، فإن الحديث وحده يدعو إلى الملل، وسرعان ما يتلهى عنه المتفرج، والذي يأسره إلى المتابعة اليقظة هو هذه الحركة التي يمثلها هؤلاء الأشخاص، والتي تموج بها خشبة المسرح، وتلك العاطفة التي توجّههم في حركتهم كما تتمثل في أحاديثهم. ومعنى هذا أن المسرحية لا يتم وضعها الفني الحقيقي إلا حين

[1] Scorates "470-399 ق. م": فيلسوف يوناني، يعد هو وأفلاطون وأرسطو واضعي أسس الفلسفة الغربية.
[2] Barrett H. Clark: The Drama and Theater., in, the Enoyment of the Arts, Chapter VII, pp. 207-8.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 132
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست