اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 131
الفصل الثالث: الفن المسرحي
مدخل
...
الفصل الثالث: الفن المسرحي
كوّن الإنسان لنفسه منذ أقدم العصور معتقداته الدينية الخاصة، وقد كان سعيه وقد أوصله إلى هذه المعتقدات نتيجة لجهده الذي يبذله في محاولته تفهم نفسه وعالمه ومصيره المقدر له بلغة يستطيع هو أن يفهمها. وليست المعتقدات الدينية وحدها هي نتيجة ذلك السعي، فإنه حين ترقى هو والجماعة في الفهم والتفكير ظهرت في المجتمع عادات وتقاليد ومحرمات وقوانين خلقية، وقد كان كل ذلك نتيجة لمحاولة رسم الطريق الذي يهدي الفرد والجماعة إلى الاتجاه الصحيح، ويحميهم من قوى الشر والتخريب. فلما أن اطمأنّ الإنسان إلى طعامه ومأواه، واحتمى من أعدائه، راح يتفهم -مدفوعًا بنفس الغريزة- بعض الظواهر التي هي أقل إلحاحًا. وكانت الفنون الجميلة واحدة من هذه الظواهر؛ فمنذ ما يقرب من ثلاثة قرون أو يزيد كان الإنسان يسأل نفسه: ما الفن؟ وهو ما زال حتى اليوم يردد السؤال نفسه. حقًّا إن أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد كتب عن فن المسرح "الدراما" في كتابه فن الشعر "البويطقيا Poetics" دراسة شاملة، ولكن ليس هناك ما يدل على أن مشكلة طبيعة المسرحية وبنائها وهدفها قد حلت حلًّا كافيًا, وما يزال الكُتّاب -ولا يكاد يحصيهم العد- منذ أرسطو حتى اليوم يتناولون الموضوع بالدرس.
الحوار والصراع والحركة:
ونحب هنا أن نبدأ من المكان الذي لم يعطه أرسطو عناية كافية، وهو "الحوار" وذلك أن المسرحية تشترك مع القصة في اشتمالها على الحادثة والشخصية والفكرة والتعبير، ولا يميزها تمييزًا واضحًا إلا طريقتها في استخدام أسلوب الحوار بصفة أساسية. وأقول بصفة أساسية، لأن القصة تستخدم هذا الأسلوب "أحيانًا" بجانب استخدامها الأسلوب السردي والأسلوب التصويري، في حين أن المسرحية لا تستخدم سوى ذلك الأسلوب، وسواء أكانت المسرحية ممثلة أم مقروءة فإن الحوار هو الأداة الوحيدة للتصوير.
الحوار هو المظهر الحسي للمسرحية، والمظهر المعنوي لها هو "الصراع". "و"كلمة" "دراما" تعني صراعًا داخليًّا"[1]. وهذا لا يقل في جوهريته بالنسبة لفن المسرحية عن [1] Jean Beraud: Jnititaion a I' Art Dramatique., Varietes Montreal 1936. p. 57.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 131