اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 492
وإذا لم يقدر الوالي على القيام بهذه المهمة فإنه ينتدب بعض خلصائه لذلك، فيقول: «وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم» [1] , وهذا تجاوز واضح على الإدارة البيروقراطية التي ترى أن كل شيء يجب أن يتم ضمن التسلسل الإداري ولاحق لأحد في إلغاء هذا التسلسل، ومن يُلغِ ذلك يُعد متجاوزًا للتنظيم، ثم بين أمير المؤمنين مضار التقيد غير المسئول بالتسلسل الوظيفي: «فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور، والاحتجاب عنهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه؛ فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن ويحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل» [2].
هذه هي مضار التسلسل الإداري والتقيد الحرفي به، فتباطؤ الأمور بين هذه السلسلة الطويلة وانتقالها من مسئول إلى مسئول، ومنه إلى مسئول ثالث، فرابع وخامس حتى وصولها إلى الناس العاديين، هذه السلسلة التي تجرى بعيدًا عن مباشرة الرئيس الأعلى قد تغير الأمور وتقلبها رأسًا على عقب، فيصبح الصغير كبيرًا والحق باطلاً، والحسن قبيحًا والقبيح حسنًا، كما يقول أمير المؤمنين رضي الله عنه، وهو ما تعانى منه التنظيمات البيروقراطية لأنها تعتمد على سلسلة تنتقل عبرها المسائل والقضايا، فتنحرف عن أهدافها ومراميها، والعلاج كما يقدمه أمير المؤمنين علي هو ألا يحتجب المسئول عن أفراده، فاحتجابه يتسبب في تغيير قراراته أو تطبيقها في أحسن الظروف تطبيقًا متحجرًا بعيدًا عن الأهداف التي طمح من أجلها، ومهمة الرئيس ليست محصورة في لقاء المرءوسين، بل عليه أن يوفر الأجواء المطمئنة التي تجعل المرءوس قادرًا على طرح مشاكله بطمأنينة وبدون خوف، لأن الغاية ليست هي المقابلات الفجة، بل الهدف هو أن يكون هذا اللقاء مفيدًا فلابد من خلق الأجواء المناسبة لهذه اللقاءات، يقول في ذلك: واجعل لذوى الحاجات منك قسمًا تُفرغُ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلسًا عامًا فتتواضع فيه لله [1] المصدر نفسه، ص (621). [2] نهج البلاغة رقم (53) ص (624).
اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 492