اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 333
الخطبة تكتسب أهمية خاصة لما تتكشف عنه من مزايا دينية وأدبية وشخصية، فهي عميقة الدلالة على شخصية صاحبها أمير المؤمنين على بن أبي طالب، تنبئ عن إدراكه السليم للمفاهيم والآراء الإسلامية السديدة التي تتناول طبيعة الدنيا وغاية الوجود البشرى والمصير الذي ينتهي إليه، ونوضح النتائج التي توصل إليها أمير المؤمنين على بن أبي طالب في هذا الخصوص، وتدلنا على ما كان يتحلى به من حكمة نافذة ورؤيا معمقة يرفدها صفاء ذهنه وطهارة روحه، إلى غير ذلك من المزايا العقلية والروحية العالية التي أفاضها عليه إيمانه وتقواه وتمسكه بعرى الإسلام واعتصامه بربه ورضاه بقضائه، إن هذا كله قد ساعده في الوصول بالنثر الفني إلى هذا المستوى الرفيع، فكان بحق في عالم الأدب فارس الكلمة وقائدها وإمامها تمامًا، كما كان في الناس إمامًا عادلاً زاهدًا، وقائدًا حكيمًا مجربًا، وفارسًا لا يبارى [1]، هذا وقد اهتم أمير المؤمنين على رضي الله عنه بانتهاز المناسبات في وعظ الناس وتذكيرهم، ولم يكتف بخطب الجمعة فقط، فعندما شيع جنازة ووضعت في لحدها وعج [2] أهلها وبكوا قال: ما تبكون؟ أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم، لأذهلتهم معاينتهم عن ميتهم. وإن له فيهم لعودة ثم دعوة، ثم لا يُبقى منهم أحدًا ..
فاتقوا الله عباد الله، وجدوا في الطلب، وبادروا بالعمل مقطع النهمات، وهادم اللذات، فإن الدنيا لا يدوم نعيمها، ولا تؤمن فجائعها، غرور حائل، وسند مائل، اتعظوا عباد الله بالعبر، واعتبروا بالآيات والأثر، وازدجروا بالنذر، وانتفعوا بالمواعظ، فكأنما قد علقتكم مخالب المنية، وضمكم بيت التراب، ودهمتكم مقطعات الأمور بنفخة الصور، وبعثرة القبور وسياقة المحشر، وموقف الحساب، بإحاطة قدرة الجبار، كل نفس معها سائق يسوقها لمحشرها، وشاهد يشهد عليها بعملها {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [الزمر:69]. [1] الأدب العربي، حبيب يوسف مغنية، ص (354 - 363). [2] العج: رفع الصوت، الصحاح للجوهري (1/ 327).
اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 333