اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 294
يليق بكل جارحة على الوجه الأكمل، وإذا ما فعل ذلك كان قد أظهر نعم الله عليه، وأدى واجب شكرها [1] , ويعتبر الشكر من أجل الأخلاق السلوكية الإيمانية التي على المؤمن أن يتحلى بها في كل أحواله لما فيه من الاعتراف بالنعم لمسديها، وقد دل على عظم مكانته انضواء جل الأخلاق الإيمانية تحته من محبة ورضا وتوكل، لأن الشكر لا يتم إلا بعد التحلي بها، ولا يكون إلا عند استشعارها [2] , ولقد كانت عناية القرآن الكريم بهذا الخلق عظيمة كعظم مكانته في الأخلاق، فقد ورد ذكره في نحو من سبعين آية، أمرًا به، وحثًا عليه، وثناء على أهله، ووعدًا لهم بحسن بجزائه، ونهيًا عن ضده مما يدل على أمر هذا الخلق عظيم الشأن [3] , فقد قرن الله سبحانه في كتابه الذكر بالشكر، فقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} [البقرة:152]، وقرن سبحانه العبادة بالشكر، قال تعالى: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت:17]، مما يدل على تلازم العبودية بالشكر تلازمًا وثيقًا [4]. وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صاحب القدح المعلى في كل الأخلاق الحميدة، ومنها هذا الخلق، وربى أصحابه ومنهم على بن أبي طالب على هذا الخلق، فكان لا يشعر بنعمة إلا شكر الله عليها، وكان إذا خرج من الخلاء مسح بطنه بيده، وقال: يا لها من نعمة لو يعلم العباد شكرها (5)
, وعن أمير المؤمنين على رضي الله عنه أنه قال لرجل من أهل همدان: إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر متعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله عز وجل حتى ينقطع الشكر من العبد [6] , وكان رضي الله عنه يرى أن من شكر النعمة العفو عن الخصم، فقد قال رضي الله عنه: إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرًا للمقدرة عليه [7]. [1] أخلاق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القرآن والسنة، ص (185). [2] مدارج السالكين (2/ 249). [3] أخلاق النبي في القرآن والسنة (1/ 186). [4] المصدر نفسه (1/ 187).
(5) عدة الصابرين، ص (122)، علو الهمة (5/ 481) .. [6] الشكر لابن أبي الدنيا، نقلاً عن علو الهمة (5/ 481). [7] الإعجاز والإيجاز للثعالبي، ص (30).
اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 294