اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 293
يجلس للتعليم للمباهاة والسمعة، ويغضب على طلابه لو تركوه وذهبوا لغيره، لو كان هذا الذهاب فيه مصلحة لهم، فليست مصلحة طلابه عنده هي المهمة، بل المهم عنده مكانته وسمعته، وإن لم يقل ذلك بلسان المقال، فإنه يتبين من حكاية الحال [1] , لأن من إخلاص الداعي إلى الله أن يكون همه أن يتبع الناس الحق ولو خالفوا رأيه، وهذه حال أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه فقد قال: اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف حتى يكون الناس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي [2] , وكان ذلك في رأي رآه في عدم جواز بيع أم الولد، وكان عمر يرى رأيه هذا، ثم رجع على عن رأيه الأول فرأى أنهن يبعن [3] , وهذا تعليم للدعاة وطلاب العلم أن الخلاف في الرأي المشروع أمر طبيعي يجب ألا تضيق به الصدور ولا يؤثر على وحدة الصف، إن دعاة اليوم في أشد الحاجة أن يراجعوا أنفسهم في هذا الخلق، وأين هم منه، وأن يتضرعوا إلى الله ليمدهم بهذه الصفة الجميلة حتى ينالوا ثواب الله بعد مماتهم. وتثمر دعوتهم إلى الله في دنياهم.
لقد كانت عبادة على رضي الله عنه قائمة على كمال الإخلاص لله تعالى، واتباع هدى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فالله هو المستحق للعبادة وحده، فقد كانت حياته كلها عبادة، يتنقل فيها من نوع إلى نوع، ومن حال إلى حال، يمتثل قول الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162، 163]، لقد كانت العبادة عاملاً مهمًا في تزكية الأخلاق والاستقامة على شرع الله تعالى، ولذلك عرف أمير المؤمنين الاستقامة في تفسيره لمعنى «استقاموا» فقالوا: أدوا الفرائض [4].
سابعًا: شكره لله:
والشكر هو صرف العبد كل ما أنعم به عليه إلى ما خلق لأجله [5] , يعنى من نعمه الظاهرة والباطنة في النفس والمال فيصرف ذلك كله إلى عبادة ربه بما [1] منهج على بن أبي طالب، ص (513). [2] البخاري. ك فضائل الصحابة (3/ 23). [3] فتح الباري (7/ 73). [4] زاد المسير (7/ 254). [5] التوفيق على مهمات التعاريف، ص (435).
اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 293