اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 290
السفر ووحشة الطريق، فوكفت [1] دموع معاوية على لحيته، ما يملكها وجعل ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال: كذا كان أبو الحسن رحمه الله، كيف وجدك عليه يا ضرار؟ قال: وجد من ذُبح واحُدها في حجرها، لا يرقأ [2] دمعها، ولا يسكن حزنها، ثم قام فخرج [3].
ودخل الأشتر النخعي على أمير المؤمنين على بن أبي طالب وهو قائم يصلى بالليل، فقال له: يا أمير المؤمنين، صوم بالنهار وسهر بالليل، وتعب فيما بين، فلما فرغ «على» من صلاته قال له: سفر الآخرة طويل، فيحتاج إلى قطعه بسير الليل [4] , وكان أمير المؤمنين على - رضي الله عنه- يحث الناس على تقوى الله ومراقبته، وخشيته، فقد قال: أيها الناس، اتقوا الذي إن قلتم سمع، وإن أضمرتم علم، وبادروا الموت الذي إن هربتم أدرككم، وإن أقمتم أخذكم [5] , وكان يقول: يا أيها الناس خذوا عني هذه الكلمات، فلو ركبتم المطى حتى تنضوها- يعنى تهزلوها- ما أصبتم مثلها: لا يرجونَّ عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحى- إذا لم يعلم- أن يتعلم، ولا يستحى - إذا سئل عما لا يعلم- أن يقول: لا أعلم، واعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا خير في جسد لا رأس له [6].
ففي هذه الوصية الجمع بين تصحيح التوحيد، والإرشادات إلى آداب العلم، حيث يوصي - رضي الله عنه - بتصحيح الاتجاه في مقامي الخوف والرجاء، فالمؤمن الحق لا يرجو إلا الله لأنه وحده المنعم بسائر النعم، والذين تجري على أيديهم النعم من المخلوقين إنما هم وسائط وأسباب في وصول تلك النعم، أما منشئ النعم وموجدها فهو الله سبحانه وتعالى، والمؤمن الحق لا يخاف من الله تعالى لأنه هوالذي يملك ضره ونفعه، والمخلوقات الذين يتوهم الناس أنهم مصدر خوف إنما هم وجميع الخلق في قبضة الله تعالى، وإذا كان الله تعالى [1] فوكفت: أي سالت. [2] لا يرقأ: لا يسكن ولا يجف. [3] حلية الأولياء (1/ 84، 85)، الرقة والبكاء، ص (198). [4] لطائف المعارف لابن رجب، التحمس لقيام الليل، محمد صالح، ص (93). [5] أدب الدنيا والدين، ص (123)، فرائد الكلام، ص (369). [6] حلية الأولياء (1/ 75)، صفة الصفوة (1/ 326).
اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 290