اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 280
عليًا ركب حمارًا ودلى برجليه إلى موضع واحد ثم قال: أنا الذي أهنت الدنيا (وفعله هنا من باب التربية العملية على الزهد والتقوى والترفع على الدنيا وليس على سبيل الخبلاء) [1] , وأخرج أبو عبيد في الأموال عن على - رضي الله عنه - أنه أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات، ثم أتاه مال من أصبهان، فقال: اغدوا إلى عطاء رابع، إني لست بخازنكم، فأخذها قوم وردها قوم [2] , وخطب على الناس فقال: أيها الناس، والله الذي لا إله إلا هو، ما رزأت من مالكم قليلاً ولا كثيرًا إلا هذه، وأخرج قارورة من كم قميصه فيها طيب، فقال أهدى إلي دهقان، وقال: ثم أتى بيت المال وقال: خذوا، وأنشا يقول:
أفلح من كانت له قوصرة [3] ... يأكل منها كل يوم تمرة (4)
لقد كان الزهد من الصفات البارزة في شخصية أمير المؤمنين على بن أبي طالب، رضي الله عنه، وكان زهده مع توافر أسباب الرخاء والثراء، وثقة الناس وتوقيرهم وإجلالهم له الذي يمنع من النقد والحسبة والمؤاخذة [5] , ولم يكن - رضي الله عنه - مع زهده وورعه وتصلبه في دينه، على شيء من الفظاظة والخشونة والعبوس والكلح، ولم يكن ثقيل الظل، بل كان ودودًا بشوشًا فيه دعابة ملحوظة، وقد جاء في وصفه: كان حسن الوجه، ضحوك السن، خفيف المشي على الأرض [6] وقد عرَّف - رضي الله عنه - الزهادة فقال: أيها الناس الزهادة، قصر الأمل، والشكر عند النعم والتورع عن المحارم [7].
وقصر الأمل ضد طول الأمل الذي ينسى الإنسان الآخرة, وإما قصره فيجعله يجمع بين الدنيا والآخرة ابتغاء مرضاة الله، وأما الشكر عند النعم فهي صفات المسلم الرباني الذي يستشعر نعم الله عليه المادية والمعنوية، ما [1] تاريخ الإسلام، للذهبي ص، (645). [2] كنز العمال (2/ 320). [3] القوصرة: وعاء من قصب يجعل فيه التمر ونحوه.
(4) المرتضى للندوى، ص (212). [5] المصدر نفسه، ص (210). [6] المرتضى للندوى، ص (213). [7] على بن أبي طالب، محمد رشيد رضا، ص (304).
اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 280