اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 364
على الركب وأشرعوا الرماح، فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا إليهم وثبة الأسد، فوالذي يرضى الصدق ويثيب عليه ويمقت الكذب ويعاقب عليه ويجزي بالإحسان إحسانًا، لقد سمعت أن المسلمين سيفتحونها كفرًا كفرًا وقصرًا قصرًا، فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم، فإنكم لو صدقتموهم الشَّدة تطايروا تطاير أولاد الحجل. وقال أبو سفيان: يا معشر المسلمين، إنكم قد أصبحتم في دار العجم منقطعين عن الأهل، نائين عن أمير المؤمنين وأمداد المسلمين، وقد والله أصبحتم بإزاء عدو كثير عدده شديد عليكم حنقه، وقد وترتموهم في أنفسهم وأولادهم ونسائهم وأموالهم وديارهم. والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم ولا يبلغ بكم رضوان الله غدا إلا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة، فامتنعوا بسيوفكم وتعاونوا، ولتكن هي الحصون. ثم ذهب إلى النساء فوصاهن، [1] ثم عاد فنادى: يا معشر أهل الإسلام: حضر ما ترون، فهذا رسول الله والجنة أمامكم، والشيطان والنار خلفكم، ثم سار إلى موقفه [2] رحمه الله.
وقد وعظ الناسَ أبو هريرة فجعل يقول: سارعوا إلى الحور العين وجوار ربكم -عز وجل- في جنات النعيم، ما أنتم إلى ربكم من موطن بأحب إليه منكم في مثل هذا الموطن، لا وإن للصابرين فضلهم. وجعل أبو سفيان يقف على كل كردوس ويقول: الله الله، إنكم ذادة العرب وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك. اللهم إن هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك. [3] قال رجل من نصارى العرب لخالد بن الوليد: ما أكثر الروم وأقل المسلمين!! فقال خالد: ويلك، أتخوفني بالروم؟ إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، والله لوددت أن الأشقر برأ من توجِّيه وأنهم أضعفوا في العدد، وكان فرسه قد حفيَ واشتكى في مجيئه من العراق [4].
وجعل معاذ بن جبل كلما سمع أصوات القسيسين والرهبان يقول: اللهم زلزل أقدامهم وأرعب قلوبهم وأنزل علينا السكينة، وألزمنا كلمة التقوى، وحبب إلينا اللقاء وأرضنا بالقضاء [5]. [1] البداية والنهاية: 7/ 9. [2] ترتيب وتهذيب البداية والنهاية: ص 162. [3] البداية والنهاية: 7/ 10. [4] البداية والنهاية: 7/ 10. [5] أبو بكر رجل الدولة: ص 88.
اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 364