اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 334
الخاصة، وكن يشارك أصحابه في السراء والضراء وكان يمتلك موهبة إعطاء القرارات الصحيحة السريعة، وكان ذا إرادة قوية ثابتة يتحمل المسئولية الكاملة في أخطر الظروف والأحوال، يثق بقواته وتثق به قواته ثقة لا حدود لها، ويحبهم ويحبونه حبًّا لا مزيد عليه، ذا شخصية قوية نافذة، فهو بحق كما يقول عنه عمر بن الخطاب: مؤمر نفسه. (1)
كانت له قابلية فائقة تعينه على أعباء القتال، وله ماض ناصع مجيد، وكان دائمًا أول من يهاجم وآخر من ينسحب، وكان خبيرًا بمناطق العراق، جريئًا على الفرس سريع الحركة واسع الحيلة، وكان أول من اجترأ على الفرس بعد الإسلام وجرأ المسلمين عليهم، وأبلى في حروب العراق بلاء لم يبله أحد، وهو الذي رفع معنويات المسلمين وحطم معنويات الفرس. [2] وقد وصف المثنى جنود الفرس فقال: قاتلت العرب والعجم في الجاهلية والإسلام والله لمائة من العجم في الجاهلية كانوا أشد عليَّ من ألف من العرب، ولمائة من العرب اليوم أشد عليَّ من ألف من العجم، إن الله أذهب بأسهم وأوهن كيدهم فلا يروعَنَّكم زهاء ترونه ولا سواد ولا قسي فج ولا نبال طوال، فإنهم إذا أعجلوا عنها أو فقدوها كانوا كالبهائم أينما وجَّهتموها اتجهت [3].
كان تعيين الصديق للمثنى على العراق في محله ويدل على معرفته بأقدار الرجال ومعادنهم، وعندما حان وقت رحيل خالد بجيشه إلى الشام خرج معه المثنى لوداعه، ولما حانت لحظة الفراق قال له خالد: ارجع -رحمك الله- إلى سلطانك غير مقصر ولا وان. [4] وتسلم المثنى قيادة العراق بعد خالد، وما إن علم كسرى بذهاب خالد حتى حشد آلاف الجنود بقيادة «هرمز جاذويه» وكتب للمثنى يهدد ويتوعد، فقال: إني قد بعثت إليكم جندًا من وحش أهل فارس، وإنما هم رعاة الدجاج والخنازير ولست أقاتلك إلا بهم. [5] وأجابه المثنى بعقل وفطنة، ولم ينس شجاعته في الرد على هذا المجوسي، فكتب يقول في رسالة لكسرى: إنما أنت أحد رجلين: إما باغ فذلك شر لك وخير لنا، وإما كاذب فأعظم الكذابين عقوبة وفضيحة عند الله وعند الناس الملوك، وأما الذي يدلنا عليه الرأي فإنكم إنما اضطررتم إليهم، فالحمد لله الذي ردَّ كيدكم إلى رعاة الدجاج
(1) الحرب النفسية: 2/ 164. [2] الحرب النفسية: 2/ 164. [3] من ذي قار إلى القادسية، صالح عماش: ص 124، نقلا عن الحرب النفسية: 2/ 168. [4] عصر الصحابة، عبد المنعم الهاشمي: ص 189. [5] الكامل لابن الأثير: 2/ 73.
اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 334