اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 330
القائد الفذ «المثنى ابن حارثة الشيباني»، ليس فقط لألمعيته وقدرته الفائقة على التنظيم، وإنما لمعايشته للمنطقة، فهو ينتمي إلى «بني شيبان» من «بكر بن وائل» الذين كانت منازلهم بتخوم العراق وحوض الفرات التي تمتد شمالاً إلى «هيت»، فكانوا بحكم مساكنهم واتصالاتهم مؤهلين لأن يكونوا عيونًا «مخابرات»، فما وجدنا تحركًا لجيش من جيوش الفرس إلا وكان خبر ذلك التحرك منذ بدئه على لسان «المثنى» في الوقت المناسب، وما من شاردة ولا واردة تحدث في بلاط الفرس إلا وكان «المثنى» على علم بها في حينها [1].
وكان في خطاب الصديق إلى خالد: دع العراق واخلف فيه أهله الذي قدمت عليهم، ثم امض مخففًا في أهل قوة من أصحابنا الذين قدموا معك العراق من اليمامة، وصحبوك في الطريق وقدموا عليك من الحجاز، ثم تأتي الشام فتلقى أبا عبيدة بن الجراح ومن معه من المسلمين، وإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة، والسلام عليك ورحمة الله. (2)
وتهيأ خالد للسير إلى الشام، وقسم خالد الجند نصفين: نصفًا يسير به إلى الشام ونصفًا للمثنى، ولكنه جعل الصحابة جميعًا من نصيبه، فقال له المثنى: والله لا أقيم إلا على إنفاذ أمر أبي بكر كله في استصحاب نصف الصحابة وإبقاء النصف، فوالله ما أرجو النصر إلا بهم، فأنت تعريني منهم. وكان خطاب الصديق قد وصل إلى خالد قبل سفره يأمره فيه بمن يأخذ من الجند ومن يدعهم للمثنى، قال: يا خالد لا تأخذ مجدًا إلا خلفت لهم مجدًا، فإذا فتح الله عليك فارددهم إلى العراق وأنت معهم، ثم أنت على عملك [3].
فما زال خالد يسترضي المثنى ويعوضه عن الصحابة بمقاتلين من سادة أقوامهم من أهل البأس وممن عرفوا بالشجاعة والصبر وشدة المراس، فرضي المثنى آخر الأمر. [4] وحشد خالد جنوده وانطلق ليعبر إلى الشام صحاري رهيبة غائبة النواحي مترامية الآفاق كأنما هي التيه، وسأل الأدلاء: كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم؟ فإني إن استقبلتها حبستني عن غياث المسلمين! قالوا له: لا نعرف إلا طريقًا لا يحمل الجيوش، [1] معارك خالد بن الوليد ضد الفرس: ص 134.
(2) الصديق أول الخلفاء: ص 169. [3] الصديق أول الخلفاء: ص 170. [4] الصديق أول الخلفاء: ص 170.
اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 330