اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 325
أصبح للمسلمين موقع استراتيجي ذو أهمية فريدة؛ لأن دومة الجندل تقع على ملتقى الطرق إلى ثلاث جهات؛ فشبه الجزيرة العربية من الجنوب، والعراق من الشمال الشرقي، والشام من الشمال الغربي. ومن الطبيعي أن تنال هذه المدينة مثل هذه العناية من الخليفة أبي بكر الصديق وجنوده التي تقاتل بالعراق وتقف على تخوم الشام، وتلك هي العلة في أن عياضًا لم يبرحها بل ظل مرابطًا أمامها إلى أن خف إليه خالد، ولو أن دومة الجندل لم تذعن للمسلمين لبقي أمرهم في العراق تحفه المخاطر [1].
وبذلك استطاع خالد أن يعين عياضًا على فتح دومة الجندل، ولئن كانت حروب خالد - رضي الله عنه - في جنوب العراق مثالاً للبراعة في الهجوم السريع واغتنام الفرص وإثارة الرعب لدى الأعداء، فإن ثبات عياض - رضي الله عنه - هذه المدة الطويلة في وجه أعداء قد تكالبوا عليه من كل مكان دليل على تمتع الجيش الإسلامي أيضًا بالصبر والمصابرة وطول الأمل، والثقة بنصر الله تعالى في النهاية.
وكان عياض - رضي الله عنه - من أفاضل المهاجرين ومن سادة قريش، وكان سمحًا جوادًا، وقد وثق به الخلفاء وولاتهم بعد ذلك، فكان أحد قادة اليرموك وكان على مقدمة جيش أبي عبيدة، ثم فتح بعد ذلك الجزيرة بأكملها وهي المناطق التي بين الشام والعراق، واستخلفه أبو عبيدة - رضي الله عنه - على الشام لما حانت وفاته، فأقره عمر - رضي الله عنه - على الشام إلى أن احتاج إليه في الفتوح فوجهه إليها [2].
9 - وقعة الحُصيد ([3]):
أمر خالد الأقرع بن حابس بالرجوع إلى الأنبار، وأقام بدومة الجندل فكانت إقامته مدعاة لطمع الأعاجم وظنهم به الظنون، وكذلك ظنها عرب المنطقة فرصة، فكاتبوا الأعاجم ليكونوا معهم على خالد غضبًا لـ «عقة» الذي لم ينسوا مصرعه بعد، فخرج زرمهر من بغداد ومعه روزبة يريدان الأنبار، وتواعدا في الحصيد والخنافس، فوصل خبرهم الزبرقان بن بدر وهو على الأنبار، فاستمد القعقاع بن عمرو خليفة خالد على الحيرة، فأمده بأعبد بن فدكي السعدي «أبو ليلى» وأمره بالحصيد، وبعروة بن الجعد البارقي [1] أبو بكر الصديق، نزار الحديثي، خالد الجنابي: ص 54. [2] التاريخ الإسلامي: 9/ 164. [3] الحصيد: موقع في أطراف العراق من جهة الجزيرة.
اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 325