اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 615
الملك أنه سيخرج نفسه ويجعل الأمر شورى, فلما كتب ابن عمر إلى ابن الزبير بذلك لم يلتفت إليه [1].
ب- الحث على السمع والطاعة للإمام القائم ونهيه عن إثارة الفتنة وتفريق الكلمة:
قال ابن عمر رضي الله عنهما: جاءني رجل في خلافة عثمان, فإذا هو يأمرني أن أعتب على عثمان, فلما قضى كلامه قلت له: إنا كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي: أفضل أمة محمد بعده: أبو بكر وعمر ثم عثمان, وإنا -والله- ما نعلم عثمان قتل نفسًا بغير حق, وجاء من الكبائر شيئًا, ولكنه هذا المال, إن أعطاكموه رضيتم وإن أعطاه قرابته سخطتم. إنما تريدون أن تكونوا كفارس والروم, لا يتركون أميرًا إلا قتلوه, ففاضت عيناه بأربع من الدمع ثم قال: اللهم لا تُرد ذلك [2] , وروى سالم بن عبد الله بن عمر أن أباه قال: لقد عتبوا على عثمان أشياء لو فعلها عمر ما عتبوا عليه [3]. فانظر إلى أي مدى كان حرص عبد الله بن عمر رضي الله عنهما على الدفاع عن
عثمان والذب عن عرضه والتصدي لما يثيره أهل الفتنة ضد عثمان بن عفان - رضي الله عنه -؛ لما كان يعلم من خطورة مثل هذا المنحى وما يؤدي إليه من النيل من الخليفة من فساد, وفرقة, لذا فإن عثمان منحه ثقته فكان يستشيره إبان محنته مع الغوغاء, فحين دخل عليه ابن عمر قال له عثمان: انظر ما يقول هؤلاء؛ يقولون: اخلع نفسك أو نقتلك. قال له ابن عمر: أمخلد أنت في الدنيا؟ قال: لا. قال: هل يزيدون على أن يقتلوك؟ قال: لا. قال: هل يملكون لك جنة أو نارًا؟ قال: لا. قال: فلا تخلع قميص الله عليك فتكون سنة, كلما كره قوم خليفتهم خلعوه أو قتلوه [4]. وهذا الرأي من ابن عمر ينم عن بعد نظره وتقديره لعواقب الأمور, وقد أبدى استعداده لحمل السلاح للدفاع عن أمير المؤمنين عثمان والتصدي للغوغاء المحاصرين لعثمان في داره, فقد ذكر ابن سعد عن نافع أن ابن عمر لبس الدرع يوم الدار مرتين.
ولما قتل عثمان رأى ابن عمر أن الأمة وقعت في محنة, وأن قتل الخليفة بهذه الصورة معصية شؤمها على الأمة خطير, لذا لما عرض عليه الغوغاء الخلافة بعد مقتل عثمان قال: إن لهذا الأمر انتقامًا, والله لا أعترض له, فالتمسوا غيري [5] , وكان ابن عمر - رضي الله عنه - كثيرًا ما يركز في نصائحه للعامة على لزوم الجماعة والإعراض عن دماء المسلمين وأموالهم. فكتب له رجل: اكتب إلي بالعلم كله, فكتب إليه: إن العلم كثير, ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس خميص البطن من أموالهم, كافًّا لسانك عن أعراضهم, لازمًا لأمر جماعتهم, فافعل, والسلام [6]. [1] أنساب الأشراف (5/ 195). [2] المعجم الكبير للطبراني (12/ 285) , ابن عمر, محيي الدين مستو ص82. [3] العواصم من القواصم ص105،104 ابن عمر, محيي الدين مستو ص83. [4] العواصم من القواصم ص130. [5] تاريخ الطبري, نقلاً عن أثر العلماء في الحياة السياسية ص 332. [6] تاريخ دمشق, نقلاً عن أثر العلماء في الحياة السياسية ص334.
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 615